كتابنا اسمه دراشا ادملكي
يُعد كتاب دراشا اد ملكي الثاني بالأهميّة بعد كتاب الكنزا ربا, حيث يحتوي على شواهد تاريخيّة تُبين الأصول الرافدينيّة المندائيّة (1). كما ويعطي جوانب كثيرة أخرى عن الفلسفة التي هي شذرات من كتب مندائيّة أقدم ولكنها للأسف مفقودة. ومن تلك الكتب هو كتاب يوشامن الذي تأتي أجزاء منه مُرفقة مع كتاب دراشا اد ملكي وكذلك كتاب سام بر نو (نوح) وكتب متعددة عن الملائكة. وكذلك فهو يحتوي على بعض النصوص التي تخُص يهيا يهانا مثل تلك التي تتحدّث عن ولادته وعن هدايته لليهود الذين أنشقوا عن المندائيّة لكي يعودوا لها, وأيضاً النصوص التي تتحدّث عن مواعظه في الليّالي.
ولو تعمّقنا في مواضيع الكتاب فنجد بأن مُعظم المواضيع هي أنعكاس لفلسفة مذكورة في نصوص كتاب الكنزا ربا. وعلى سبيل المثال فأن النصوص التي تتحدّث عن الراعي نجدها في الكنزا ربا وهي تخص منداادهيي الذي هو الراعي.
“ضَعوا ثِقتكُم بمنداادهيي فهو مثل الراعي الطيّب الذي يقود قَطيعه للمكان الصحيح ليُساعدكم ويَهديكم.
وسبّحوا أيّها المُختارون الصادقون ليُنير قُلوبكم ويسهّل طُرقكم وكونوا بَعيدين عن الأشرار.” الكنزا ربا اليمين
وهذا أن يهيا يهانا يُحاكي فلسفة الكنزا ربا التي كان هو نفسه يتبعها ولم يأتي بها.
ولكن السؤال هو لماذا تحوّل أسم الكتاب من دراشا ادملكي والذي يعني حديث الملائكة إلى دراشا اديهيا؟
وطبعاً من دون جَدل كبير فأن دخول الإسلام الذي كان يقيس باقي الأديان حسب النصوص التي كانت قد ذُكرت بالقرآن, فيقبل الجزيّة من الديانات المذكورة فيه بأنهم من أصحاب الكتاب وهي الصابئيّة والمسيحيّة واليهوديّة بينما يرفض الديانات الأخرى ومنها المانويّة والزرادشتيّة أو المجوسيّة الذين ذكروا مع المشركين, وهؤلاء تمّ إفنائهم.
وفوق هذا فكان يجب على الديانات المذكورة أن يبيّنوا بأنهم من أتباع الأنبياء المُعترف بهم, ومنهم يحيى بن زكريا وعيسى المسيح وموسى. ولهذا فكان لزاماً على المندائيين أن يقوموا بترجمة يهانا إلى يهيا أو يحيى كما يلفظ بالعربيّة لكي يَحموا أنفسهم.
وحيث أنّ الكتب المندائيّة كانت تنتقل بالنَسخ اليدوي من جيل إلى آخر, حيث يجري نسخ الكتب الدينيّة بطقوس مُكمّلة للدرجات الدينيّة أي أنها كانت إجباريّة. ولهذا فبعد العَهد الإسلامي بدأت تسمية يهيا تُضاف إلى يهانا أو تأتي بمفردها في بعض نصوص دراشا اد ملكي. ولكن خلال القرن العشرين فأن هذه الإضافة كانت قد أخذت مكاناً لدى الجهات الخارجيّة التي تسعى للانتقاص من عراقة الدين المندائي, ولكي يطعنوا بقِدَمه فقالوا بأن وجود تسمية يهيا إلى جانب يهانا تدل على أنّ الكتاب قد تمّ في العهد الإسلامي. وهذا هو جوهر طرح ليدزبارسكي, فقام بنسخ كتاب دراشا اد ملكي بيده وأسماه دراشا اد يهيا لترسيخ نظريته بحداثة الكتاب. فتبعه جميع المستشرقين الذين أتوا بعده بهذه التسمية حتى صار أسم الكتاب هكذا لدى الجميع, بينما يكون الاسم الصحيح هو دراشا اد ملكي كما في جميع النُسخ القديمة. مع ملاحظة وجود تحريفات مخفيّة وضعها في نسخته وهذا مشروع مستقبلي للباحثين عن الزدقا..
“هذا كرّاس حديث الملائكة الذي نسخته أنا العبد الفقير الذي كله أخطاء وأقبّل التُراب الذي تحت أقدام الناصورائيين والترميدي والمندائيين والكاملين. أنا العبد الربي آدم زهرون بر ربي زكي شيتل بر ربي رام بختيار بر ربي بهرام شدان بر يهيا ميمين بر آدم بر ربي سام يهانا بر ربي سام كنيانة قُطانا. ” من كتاب دراشا ادملكي 1630
ولاننسى بأن ليدزبارسكي هو صاحب تحريف ترجمة اليردنا الماء الجاري ليحول معناها إلى نهر الأردن, في سبيل أن يُقنع الباحثين بأن المندائيين هم منشقون عن اليهوديّة, وبعد ذلك أتت مخطوطات قمران أو البحر الميت المزورة لترسيخ تلك الفكرة.
ولا ينتظر أحد بأن يأتي الأغراب ويقدمون عملاً مجانيّاً مُخلصاً لكم, وإنما لكلٍ غايته. عسى أن يتنبّه الذين نذروا أنفسهم للسلك الديني بأن يعودوا ليكتبوا كتبهم بنفسهم ويتعلموا تعاليمهم منها.
ولهذا فأن تسمية الكتاب هي دراشا اد ملكي, مع كل الاعتزاز بمعلمنا الكبير يهيا يهانا الذي يشرفنا أن نقبّل التُراب الذي كان تحت أقدامه وأقدام الناصورائيين.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
1