حرب التلفيق ضد المندائيّة
وحيث أن كثير من المصادر التاريخيّة القديمة قد كُشفت مؤخراً مع الأرشفة الإلكترونيّة للمكتبات العالميّة, وقد أصبحت مُتاحة للباحثين, وهي تتحدث عن دور الناصورائيين -المندائيين -الصابئة في التاريخ وتعطي مزيد من الأدلّة على القِدم المندائي والذي يسبق اليهوديّة وعلى الفلسفة المندائيّة والتي هي أمتداد لفلسفات حضارات بلاد الرافدين العريقة.
فقد أنبرى عدد كبير من الباحثين من أتباع تلك المنظمات ذات العقيدة الصهيونيّة المستترة بالمسيحيّة الجديدة, والتي هي تَفرض سيطرة سياسيّة على المؤسسات العميقة في العالم الغربي, وكل هذا يتم تحت قصص وروايات دينيّة تجعل من أهدافها في تحقيق نبوءات العهد القديم, حجة لعملها السياسي وفرض سيطرتها الكاملة على كثير من العواصم الغربيّة بواسطة اللوبيات والأستخبارات وجميع الوسائل القذرة (مصدر), وبالتالي فهي تخشى من فقدان دورها السياسي المُعتمد على أساطير دينيّة مسروقة من أدب وأديان بلاد الرافدين وفلسفاتها.
وقد بدأت كتب كثيرة ودراسات تَصدر عن هؤلاء المستشرقين المؤدلجين أو التابعين لهذه المؤسسات ذات الإمكانيات الماديّة الكبيرة, وجميع تلك الكتب أما تحاول النَيل من الفلسفة المندائيّة وتشويهها بنَسبها إلى غيرهم, أو أنها تحاول الطََعن بالتاريخ والقِدَم المندائي. وفي سبيل إضافة دعم لكتاباتهم هذه, فهُم يحاولون وضع أسماء لأشخاص مندائيين فيها, ولكي يُحسَبوا بأنهم شاركوا بكتابتها أو وافقوا عليها, وخاصّة من المثقفين أو من رجال الدين, وهم الذين ربما سوف يحاولون المساعدة متصورين بأنهم يساعدون دينهم وذلك عبر توفيرهم لبعض النصوص الدينيّة أو بإعطائهم معلومات أو محاولة النقاش والحوار. ولكن يكون الأفضل مقاطعة هؤلاء ولأنهم سوف يقومون بتَحريف الكلام مهما كان, وحتى مَن كان منهم مُنصفاً في جانب مُعين, فهو يَطعن في جانب آخر, ويستخدمون نعومة في التحريف بحيث أنها تنطلي على القارئ الاعتيادي وكأنها تَمدح ولكن الحقيقة هي عكس ذلك.
ولهذا فندعو جميع المثقفين المندائيين والشيوخ الكرام, بعدم التجاوب مع دعوات الباحثين الغربيين الجدد والمستترين تحت حجة زمالات الدكتوراه أو بحجّة أصدار كتب جديدة. وبنفس الوقت فندعو للإنفتاح أكثر على الباحثين الشرقيين والمتعطشين لمعرفة المندائيّة بصورة جديّة, لما كان لها من تأثير لا يُنكَر على الدين الإسلامي في بداياته, والذين هم على الأغلب من خارج تلك المنظمات الصهيونيّة, وذلك بعد التأكد من كتاباتهم السابقة وحسن نواياهم والجهات التي تَدعم بحوثهم.
وعلى سبيل المثال عن الكتابات التلفيقيّة نأخذ هذا الكتاب الجديد المُسمى “من الساسانيين المندائيين إلى صابئة الأهوار” وحيث يجادل هذا الباحث الكَنَسي، بأن المندائيين قد طوروا الدين المندائي في القرن الخامس الميلادي، والقول بأن المندائيين لا علاقة لهم بالناصورائيين الذين يحاول ربطهم باليهود، وذلك ليس عبر مقارنة الفلسفات، وإنما أعتماداً على التشابه مع تسمية النزاريين الذين كانوا حسب مصادر يهودية يتبعون عقيدة بين المسيحيّة واليهوديّة، وهذه هي النقطة المفصليّة في كتابه هذا, وحتى بأنه أهمل الأدلة الآركيولوجيّة المندائية من الواح الرصاص ذات الأدعية والتعاويذ والعُمل النقديّة المعدنيّة المكتوبة بالمندائيّة وكثير منها تعود إلى حقبة مملكة ميسان قبل وفي بدايات الميلاد, وأهمل حتى الكتابات التي تَذكُر المندائيين والناصورائيين في المصادر التاريخيّة القديمة, ولكنه أنتقى فقط ما يتفق مع فكرته.
وقد ردّ عليه بعض أساتذة الجامعات الغربية نفسها, بأن نفس تلك المصادر اليهوديّة التي أستشهد بها هذا الكاتب، والتي هي من المؤرخ أبيفانوس الذي ذكر بأن النزاريين كانوا بين اليهوديّة والمسيحيّة، ولكن أبيفانوس كان قد أستدرك بوجود ديانة تسمى الناصورائيّة وهي تختلف عن النزاريين وهي قبل المسيحيّة ولكنها ليست مسيحيّة ولا يهوديّة ولا تتبع أي من تعاليمهما. وطبعاً لم تَكن هنالك من أمانة علمية لدى هذا الكاتب ليذكُر كل القصّة من المصدر، ولكنه ينتقي من المصادر ما يدعم هدفه بالإنتقاص من القِدَم المندائي، والتي هي محور البحوث التي يجري دعمها من قبل الجامعات الغربيّة, التي يتم تمويلَها من قبل تلك المنظمات الدينيّة السياسيّة نفسها.
أنّ هذا النوع من الكتب هو موجّه للعامّة, من الذين ليس لديهم إطلاع كافي وليس للباحثين, وحيث يتم عمل الدعاية للكتاب ذو المعلومات الملفّقة ويجري تضخيمه، ولكن الردود الأكاديميّة ذات الموضوعيّة يتم طَمرها وعدم ذكرها, معتمدين على قوّة الإعلام والتمويل الذي يتحكم به.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
مقالة: دمروا بابل وآشور ورقصوا, سنان سامي الجادر