يُشكّل تطمين غرائز الطعام والنَوم والجِنس جُزء أساسي من الحوافز في الحياة, والتي يسعى بنو البشر للعمل جاهدين في سبيل الحصول عليها بإنتظام. ولكن ماذا يعني الإنقطاع عن أداء هذه الغرائز ولماذا يقومون بالصيام عنها لأسباب دينية ومُنذ القِدَم؟
لقد كان ولايزال الصيام موجوداً لدى جميع الديانات القديمة والحاليّة (مصدر1), وهو يرتبط بتقديم العِبادة للخالق على الإستمتاع بتطمين هذه الغرائز والتي تُصبح مقاومتها مقياساً لمدى تحمُّل الإنسان, وكذلك فهي تقوم بتهذيب النَفس ومنعها من أن تُصبح عبدة لهذه الغرائز الضرورية للحياة, والصيام عنها هو الوسيلة للسيطرة عليها.
وفي النصوص المندائية:
1. يُذكَر الصيام عن الطعام بالكُتب الدينية المندائية بالعديد من النصوص, ولكنه يُذكَر بصورة المقارنة مع الصوم الأكبر والأعظم وهو الصوم عن السيئات مثل الحقد والنميمة والكَذِب والزور والزَيف والقتل والسرقة والزنى والإلحاد والكُفر (مصدر2), وهذه الصفات التي ليست من ضمن الغرائز الرئيسية للحياة ولكنها موجودة بسبب التفكير الخاطئ والطمع والضعف في الشخصية, ولهذا وجب تبيان بأن الصيام عنها هو أهم من الصيام عن الطعام والشراب والذي كان يُمارسه المُتعبدون لمُختلف الديانات, ولكنهم بنفس الوقت ربما سوف يستمرون بتلك الصفات والعادات السيئة ويعتقدون بأن الخالق يغفر لهم ماداموا مؤدين للصلاة والصيام. وكذلك توجد العديد من البوث والتي تحاول الإشارة إلى أتباع ديانات أخرى بكونهم يتَّبعون أنبياء الكَذب وفي نفس الوقت هُم مُقيمون على صلاة الكذب وصوم الزيف ويقول النَص بأنهم في الجانب الخاطئ, وفي محاولة لتعريف المندائيين بأن الصلاة والصوم لاتغفران ذنوب الإنسان إن كان سيئاً أو سار في طريق الضلالة. وكذلك تُنظّم المندائية الصيام عن أصناف مُعينة من الطعام من خلال الصوم الجزئي لستة وثلاثون يوماً تُسمى المبطلات, بينما تَمنع الكحول ومايُذهِب بعقل الإنسان نهائياً.
2. يُذكَر تحمّل النُعاس والسهر على أنه من أساسيات الصلاة والتسبيح “رأسُ الصَّلاةِ والتَسبيح ألّا تُحبَّ النَّوم” الكنزا ربا اليمين ص 172.
وكذلك فيخضغ الشواليا الذي يرغب بالترفّع إلى درجة الترميدا إلى طقوس وإختبارات وعليه أن لاينام لسبعة أيام مُتتالية.
3. يُذكر الصوم عن الجنس في دراشا اد ملكي عندما كان يهيا يهانا يُفكر بحاجته إلى شريكة في حياته ولكي تُنجب له الأبناء والبنات وكذلك لكي تعتني به وتُبادله الوفاء, ولكنه كان يخاف بأن تُلهيه هذه الشريكة عن حُبه الكبير للخالق فتُنسيه الصلاة والتعاليم. وبينما هُو مُفكر في كُل هذا أتته رسالة من السماء (بيت أباثر) تُجيز له أن يتزوج وأن يرتاح باله, ولكن على أن يُنظّم أيام الأسبوع فلا يجوز له أن يغشي زوجته في جميع أيام الأسبوع, وكذلك أن ينتبه من الأعمال الباطلة في الدنيا (مصدر3), بينما يُحرّم الجنس خارج الزواج وهو الزنا بقوّة وفي الكثير من البوث.
مما تقدم فقهياً نجد بأن المندائية لديها الصيام عن الأنواع الثلاثة من الغرائز وهي الصيام عن الطعام وعن النوم وعن الجنس, ولكن دعونا نتبين حقيقة الصيام عن الطعام ومدى تأثيره على صحة الإنسان في ظل آخر المكتشفات العلمية:
فقد وَجَدَ العِلم الحديث بأن هنالك ميكانيكية تُطلق داخل الخلايا عند الصيام عن الطعام (وليس عن الماء) وهذه الميكانيكية سوف تقوم بتفكيك الخلايا المُتضررة أو التي تمَّ تشكيلها بصورة خاطئة, ومن ثُم تحوَل هذه الخلايا ذات الخطورة إلى مواد أولية تُغذي بها باقي خلايا الجسم, ومن خلال هذه العملية يتم الحفاظ على إنتاج خلايا عصبية وقلبية صحيّة والحفاظ على نظام مناعي قوي للجسم وكذلك إبطاء عملية الشيخوخة (مصدر4,5,6).
ولكن الصيام عن الماء مُرتبط بالغالب في حصول مُضاعفات صحيّة سلبية على الإنسان, ولايُنصَح به طبياً.
ولمن يرغب بتجربة الصيام عن الطعام فيمكنه إختباره بنفسه ومعرفة البرنامج المُناسب له وحسب عمره وحالته الصحيّة, حيثُ هنالك من يُفضّل الصيام المُتقطّع وهُنالك من يحتاج إلى تخفيض السعرات الحرارية التي يتناولها إلى حد أدنى وفيه يجب أن لايكتفي الجسم منها, لكي تُطلق ميكانيكية تفكيك الخلايا التالفة والتي تتفعل فقط في حالة الوصول إلى حالة الجوع لمدة لاتقل عن 12 ساعة.
وشخصياً أنا أصوم لمدة 24 ساعة عن جميع أنواع الطعام, وخلاله أتناول الشاي الأخضر أو شاي الأعشاب المُختلفة والماء فقط وأكرر هذه العملية ليوم واحد أسبوعياً.
وهذه العملية بالإضافة إلى فوائدها المذكورة أعلاه فإنها تُتيح السيطرة على الوزن وكذلك تكسر النمط الغذائي الروتيني, ويعتاد الإنسان عليها بعد تكرارها لثلاث او أربعة مرات, ولكنها مُتعبة في حالة العمل الذي يحتاج إلى جُهد بدني.
وعند القيام بهذا النوع من الصيام الذي يسمح بشُرب الماء, فإنه سوف يُحيّد الجهاز الهضمي ذو التسعة أمتار, والذي يستهلك طاقة هائلة من الجسم لوحده ويُسمى بالدماغ الثاني وذلك لأنه يحتوي على الجهاز العصبي المعوي (مصدر7) وهو جهاز عصبي خاص بعملية الهضم ومُستقل بقراراته عن المخ, والذي يُسمى مع الحبل الشوكي بالجهاز العصبي المركزي (مصدر8) وهذه الحالة سوف تُساعد بأن يُصبح النصف الأيمن من عقل الإنسان, وهو المسؤول عن التفكير اللامنطقي مُتيقظاً ونَشطاً, والذي تُعزى إليه كافة قوى الباراسايكولوجي لمن كان يؤمن بالعلم لوحده.
وأمّا من يؤمن بالخالق فيُعزى التواصل مع الوحي الإلهي لمجموعة من العوامل (مصدر9) ومن ضمنها الصيام عن الطعام أو تقليله للحد الأدنى, والتي كان الأقدمون يقومون بها ولكن من دون أن يملكوا تفسير علمي لها, حتى وصولنا إلى عصرنا هذا والذي بدء بتفسير الأمور إنطلاقاً من الوحدات الصغيرة للمادّة (النانو) والتي تُحكَم بفيزياء خاصة بها تُسمى فيزياء الكم.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1.
http://elsada.net/82820/
2.
في الصور المرفقة
3.
في الصور المرفقة
4.
https://www.youtube.com/watch?v=Ws0mOmfC9EU
5.
https://www.youtube.com/watch?v=10jNZleNH9w
6.
https://www.dw.com/…/%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D9…/a-35946626
7.
http://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-45709560
8.
https://manshoor.com/life/digestive-system-has-brain/
9.
https://mandaean.home.blog/2019/05/13/الإحساس-بالإلهام-الإلهي/