ربما يكون هذا الموضوع واحداً من أهم المواضيع الدينية في وقتنا الحالي, بسبب الهجرة والمشاكل التي رافقتها من إنتقال طريقة الحياة الغربية للعوائل المندائية الشرقية, والذي تسبب بالمشاكل داخل بعض العوائل المندائية وبالتالي الطلاقات الكثيرة.
وكذلك يوجد موضوع آخر مُهم وهو الزيادة الكبيرة في عدد الإناث المندائيات على عدد الذكور, وهل توجد في المندائية مُحددات حول تعدد الزوجات أم لا.
كُنت أُفضّل أن يتم تناول هذه المواضيع من قبل أحد رجال ديننا ولأنهم يمتلكون الشرعية الفقهية للتحدث بهذا الموضوع, ولكن للأسف لم أقرأ شيئاً مُباشراً منهم, في الوقت الذي زادت به الإجتهادات الشخصية الغير مُستندة على مصادر, ولهذا فقد تناولت الموضوعين طبقاً لكتابنا الأقدس وهو الكنزا ربا فقط ولكي يكون الموضوع قاطعاً.
1- تعدد الزوجات وتحريم العزوبية
تُحرّم المندائية العزوبية بكل أشكالها ولأي سبب, وببساطه فهي تقول بأن أنفُس العُزّاب والعازبات الذين رفضوا الحياة الزوجية لاتصعد إلى بلد النور, وقد عُرِفَ عن المندائية بأنها تُقدّس الخصوبة والتكاثر والإنجاب, ونجد في أكثر من نص بأنها تنتقد الذين لايتزوجون والذين لايُنجبون.
وهذا أحد النصوص (النَصْ الأصلي مع الصور المُرفقة 1)
”أصعدوا إلى ضفاف الفرات العظيم، وأنظروا إلى الأشجار وهي تشرب وترتوي من المياه وتُثمر ولهذا فهي لاتموت. ولكن أنظروا إلى النهر اليابس الذي لاتسيل فيه المياه كيف تتيبّس على ضفّته الأشجار وتموت. كذلك تتيبّس وتموت نشماثا العُزّاب والعازِبات” من كنزا ربا الشيخ بهرام خفاجي ودراجي، اليمين ص٥٥
الحكمة من البوثة السابقة هي وجوب التكاثر والإنجاب, وهذه بوثة أخرى ”يايوشامن..متى تُعِدُّ لِنفسِكَ أُثريّينَ أبناءا؟” الكنزا ربا اليمين بغداد ص257
وفي كتابنا الأقدس الكنزا ربا والذي يعتمد على أسلوب المَنع المُباشر للمُحرّمات, لاتوجد في جميع نصوصه أي إشارة مُباشرة أو ضمنية لمنع تعدد الزوجات, وحتى في النصوص المندائية الأخرى لايوجد تحريم لها, وكما يُروج له بعض الذين تأثروا بالمفاهيم المدنية الغربية, والتي وضعها العالم الغربي طبقاً للنصوص الإنجيلية خلال القرن العشرين.
ومن يقرأ سيرة رجال ديننا القدماء فسوف يجد بأن مُعظمهم متزوج من أكثر من زوجة, ولايوجد في وقتنا الحالي من يَفهم بالنصوص المندائية أكثر منهم, ولكي يفتي بغير ذلك فهم كانوا من الناصورائيين.
2- موضوع الطلاق في المندائية
* في ترجمة الكنزا ربا اليمين في بغداد نجد البوثة التالية
”الزوجةُ الصَّادقةُ تَهَبُ الحبَّ الصَّادق (92) لايَنفصلْ بعضُكم عن بعضٍ حتى تنتهيَ أعمارُكم.” اليمين ص22
وهذه البوثة فيها تحريم مُباشر للطلاق, وليس هُنالك من نقاش فيها.
ولكن عندما نذهب للكنزا ربا المندائية الأصلية (النَصْ الأصلي مع الصور المُرفقة 2) نجد البوثة كما يلي
“خذوا المحبة الصادقة من الزوجة، ولاتتركوا أسم الكشطا من بعضكم البعض حتى تتوفوا وأنتم صالحون.
أنّ كل من يترك زوجته التي ليس فيها النقص والخيانة والكَذب ويذهب للشهوات والغرام في هذا العالم سوف يُدان.”
أي أنَّ موضوع الطلاق قد تمَّ تنظيمه بصورة جيدة, وقد وُضعت شروط رئيسية للطلاق وهي النقص والخيانة والكّذب.
ولكن لماذا تمَّ حذف هذه الفقرة المُهمة في الأخير من ترجمة كتابنا المُقدّس في بغداد؟ علماً بأنها الترجمة الأكثر دقّة من ترجمة ليدزبارسكي ولأنها تُرجمت مُباشرة من المندائية للعربية, ولكنها للأسف تحتوي على فقرات محذوفة ولانعرف لماذا حُذفت؟
ربما لأن الحركة المدنية والتي كانت مسؤولة عن قيادة الطائفة ولاتزال هي ترفض فكرة الطلاق, أو ربما هي مفاهيم مسيحية تسربت بصورة خاطئة لبعض المندائيين في موقع المسؤولية, وكما تسربت أفكار عدم الزواج من أبناء وبنات العمومة والخؤولة لدى شبابنا في دول المهجر وهي غير موجودة في المندائية.
وعليه فنحن ندعوا رجال ديننا الأفاضل إلى ترك خلافاتهم جانباً والبدء بتصحيح المفاهيم الدينية الخاطئة والإتفاق على النصوص المُهمة, ولأنها مسؤوليتهم التأريخية والتي سوف يُحاسبون دينياً وتأريخياً على النُقصان فيها!
* الآن نأتي إلى بوثة أخرى حول موضوع العلاقات الزوجية وهي في ترجمة الكنزا ربا في بغداد كما يلي
”أيُّها الرِّجال
(140) إذا اتَّخذتُم لأنفُسِكم أزواجاً فاختاروا من بَينِكم وأحبُّوهنّ. (141) وَلْيحفَظْ أحَدُكم الآخر (142) واعتَنوا ببعضِكم عنايةَ العيونِ بالأقدام.
(143) ليحبّ بعضُكم بعضاً (144) وليحتملْ بعضُكم بعضاً, تَعبُروا بحر سوف العظيم” اليمين ص17
وأمّا الترجمة المُباشرة من الكنزا ربا الأصلية (النَصْ الأصلي مع الصور المُرفقة 3) وهي كما يلي
”لا تأكلوا ولاتشربوا من بيت الأبواب الأثني عشر (أبناء الديانات الأخرى) لأنها جميعاً …
يا أيها الرجال الذين ترغبون الزواج لماذا تريدون أن تتزوجوا منهم (أبناء الديانات الأخرى)
أحبوا وتشوقوا لبعضكم البعض مثل عناية العيون للأقدام، فإذا أحببتم بعضكم البعض بهذه الصورة فإنكم سوف تعبرون بحر سوف العظيم”
وهذه البوثة تُحرّم ليس فقط الزواج من الديانات الأخرى وإنما تُحرّم حتى الطعام والشراب منهم, وهذا ليس من مُنطلق التعالي عليهم وإنما من ضمن تعاليم الطهارة الروحية المُتّبعة في المندائية, وحيثُ ذَكَرت دراور في كتابها الصابئة المندائيون بأن الكنزبرا لايأكل حتى الخبز إلا من عمل يديه.
وبعد ذلك تُشدد البوثة على المحبّة بين الزوجين ولأن السعادة الزوجية هي أساس العائلة المُتكاملة السعيدة والتي تستطيع الصمود بوجه مصاعب الحياة وتربية ذُريّة صالحة لايكون فيها العوز والنقصان.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ