كان فيثاغورس ولايزال من الفلاسفة الذين أثّروا ويؤثرون في مسيرة البشرية عبر أفكاره وأفكار تلاميذه, والذين أخذوا طريقه في الفلسفة مثل سقراط وإفلاطون وأرسطو, فهو قد عَرَفَ التوحيد ونادى به وواجه الوثنية الرومانية وتَخرصاتها, ودفع حياته ثمناً لمواقفه الفلسفية والأخلاقية.
وطبعاً تحليل موضوع فيثاغورس والفلسفة التي يحملها هو كبير ولا تُغطيه هذه المقالة المُختصرة, وإنما سوف نستعرض فقط جوانب الشُبه الكبير بين الفلسفة التي حَملها فيثاغورس وبين الفلسفة المندائية.
وُلِدَ فيثاغورس حوالي سنة 570 ق.م. في جزيرة ساموس اليونانية, وتوجد مصادر تقول بأنه وُلد في مدينة صور في لُبنان (مصدر1) من أبوين فينيقيين (مصدر2) من سكان جزيرة ساموس. ولكونه طالب عِلمْ ذهب في شبابه إلى مصر ليدرس هناك, وفي تلك الفترة غزت بلاد فارس الإمبراطورية البابلية وجعلتها تابعة لها وبعد ذلك توسعت وغزت مصر, وهناك تمَّ أسر فيثاغورس ومن ثُم تمَّ إقتياده إلى بابل والتي كانت قد أصبحت مركزاً رئيسياً للعلوم في الإمبراطورية الفارسية (مصدر3&4), وهنالك رواية أخرى تقول بأنه سافر طوعاً إلى بابل للدراسة, ولكن المُهم هو أنه تتلمذ في بابل على يد كاهن كبير يدعونه الناصورائي الساحر, وكان يُسمى باليونانية الناصراتوس (nazaratus), وقد ذكر المؤرخ الأسكندر (Alexander) ذلك في كتاب رموز فيثاغورس Pythagorean Symbols (مصدر3&4) وبأن مُعلّم فيثاغورس في بابل كان الناصورائي الساحر.
أنَّ كل الذي يعرفونه عن هذا الناصورائي والساحر هو أنه أدخل فيثاغورس إلى طائفته الدينية وحرره من خطاياه في الماضي وعلّمه الفضائل والقوانين الطبيعية الفيزياوية, وحركة الكواكب والفَلك والتنجيم وكذلك الطقوس الدينية والرياضيات, وكانوا يؤمنون بخلود النَفس ويلبسون الأبيض فقط. ولمّا لم يَكُن يعرف الباحثون المستشرقون الذين قرأوا مذكرات الإسكندر من يكون هذا “الناصورائي” ومن هي تلك الطائفة الدينية التي إنتمى لها فيثاغورس في بابل فتعاليمهم لا تُشبه اليهودية وهي قبل المسيحية, فقد نسبوه للآشوريين تارة ولأن كلمة كلدي أو كلداني تعني الساحر أو العارف بأمور السحر والتنجيم بالّلغة الأكدية, وحيثُ أنَّ تسمية الكلدان للمسيحيين العراقيين هي تسمية حديثة أطلقتها الفاتيكان عليهم في القرن السابع عشر لأسباب سياسية, ولكن أصولهم هي أشورية فَنَسَبَ المُستشرقون هذا المُعلّم الناصورائي للآشوريين (مصدر5), وقد كان الصابئة يُسَمَونَ بالكلديين وهو أصل تسمية الكلدان كما ذكر ذلك أبن النديم في كتابه الفهرست (مصدر6), وبعضهم نسب الناصورائي مُعلم فيثاغورس للزردشتيين ولأن بابل كانت تابعه للفرس وكان الزردشتيين في بلاد فارس, وبينما سارع اليهود كعادتهم لنسبه لهم ولأنبيائهم فقالوا بأن الناصورائي هو النبي حزقيال!! وطبعاً لا تُشبه تعاليم فيثاغورس وطقوسه الديانة اليهودية, ولكنها تُشبه المندائية وكلمة الناصورائي هي خصوصية مندائية ولا يستطيع أحد أن ينسبها لغيرهم.
وبعد ذلك عاد فيثاغورس إلى بلاده اليونان (بعد أن أصبح حراً وربما بعد أن أكمل دراسته) ومنها سافر وأستقر في إيطاليا وأسّسَ (أخوية العهد) أو المدرسة الفلسفية القديمة. وفيثاغورس كان نباتياً يعيش على الخُبز والعسل والخُضر.
وهنا سوف نأتي على أهم نقاط التشابه بين الفلسفة التي دعا بها فيثاغورس وبين الفلسفة المندائية:
1- أعتقد فيثاغورس بخلود النَفس, وبأنَّ النَفس أو العقل البشري هو كائن أصله إلهي, ولكنه وُضع في الجسد كعقاب أو كوسيلة لضمان إنطلاقها, وهذه الفكرة كانت قد أتته من مصادر دينية وليس من مصادر فلسفية (مصدر7), وحيثُ انَّ هذه الأفكار كانت غريبة عن المدارس اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد ولا تنتمي لفلسفتها, ولكن الذي يدرس الفلسفة المندائية وتعاليمها يجد بأن هذه الفكرة عن النفس هي أساسية في المندائية, فهيَ أي النَفسْ قد أتت من عالم الأنوار وتعود بعد أن ينتهي أجلها داخل الجسد والذي هو مثل السجن لها, ونجد الكثير من النصوص والقصص حول هذه الفلسفة, فمنها مثلاً نجد بأن الأحرف المندائية تبدأ بحرف الألف وتنتهي به ولأن جميع الأشياء تعود في مُنتهاها إلى بدايتها (مصدر17), وكذلك نجد العديد من النصوص الدينية وخاصة في كتاب الكنزا ربا اليسار, والذي يُعنى بعودة النفس إلى عالم الأنوار الذي كانت هي قد أتت منه وتعود إليه بعد أن تتحرر من الجسد وتكون نقيّة, وهذه بعض من النصوص التي تقول بها
“أنا آدم مانا.. غرسَةُ الحيِّ العظيم إنّي في بيتِ الحيّ مقيم.. فمَن أدخلَني في جذعِ الطينِ بهذي الصورة, وألقاني في المعمورة؟ كنتُ مِلءَ الكونِ أطير, فَحُشِرْتُ في جَسَدٍ لايعرفُ كيفَ يَسير كان لي فمٌ يملؤهُ الشُّعاع, صارَ فماً للكذِبِ والخداع عينايَ اللَّتان تفَتَّحتا على بلدِ النُّورِ الأمين.. صارَتا من كَدَرٍ وطين قلبي الَّذي كانَ للحيِّ يَنبضُ بالحنين, صارَ يخفقُ داخلَ هذا الجذعِ المَهين وفكري الَّذي كانَ مُضيئاً في مَلَكوتِ ربّي, صارَ بهذا الجَسدِ مُعتِماً مثلَ قلبي. كيف أسمعُ صوتَ أبي وأنا سَجين, في هذا الكَدَرِ والطِّين” الكنزا ربا اليسار ص26
“أنا آدم مانا .. النَّقيُّ الصَّالحُ الوَقور
أنا بنُ عالمِ النّور
مَن الّذي رَماني, في هذا العالم الفاني؟ مَن وضَعَني في هذا الدِّثار, وأسكنَني مع الأشرار, بين الماءِ العَكرِ والنّار؟” الكنزا ربا اليسار ص28
“كيفَ مِن ضوئي انتَزَعوني.. وفي هذا الجَسدِ زرَعوني؟” الكنزا ربا اليسار ص30
2- أعتبر فيثاغورس بأن المعرفة هي الوسيلة الرئيسية للتطهير, والتي من خلالها يُمكِّن أن تتطهّر النَفس وأن تذهب لتكون بصحبة الإله بعد تحرُرها من الجسد, ولأن الإله النقي لن يسمح لأي نَفس تحمل دَنَس أو شوائِب من أن تأتي وتتحد معه. وفيثاغورس هو صاحب تسمية الفيلسوف وتعني مُحب الحكمة, وهو الشخص الذي يُكرّس حياته في سبيل الحصول على الحكمة, ومن وجهة نظره فهذه الحكمة بمستواها المثالي هي فقط للإله ولايصِلها البشر في حياتهم الدنيا هذه وإنما البشر الساعون لها هُم الفلاسفة, وكانت الفلسفة تُعد أرقى الأعمال ولأنها تسعى للتقرُّب من الإله وتَعلّم حكمته, وأمّا أحط منزلة الأعمال فهي كانت تُعطى لربا الأموال وجميع الأعمال التي لا تُنتج, ولأنَّ الغرض من الأموال هو تسهيل التبادل التجاري وليس كسب الأموال من المُضاربة بها, ولهذا فقد حرّمت المندائية وبعض الديانات الأخرى الربا.
“لا تَحلِفوا كَذِباً, ولا تُبَدِّلوا إيمانَكم, ولا تأكُلوا مالَ الرِّبا” الكنزا ربا اليمين ص19
أنَّ مبدأ هذه الفلسفة المعرفية يتفق مع المندائية التي أتت من كلمة مندا وهي المعرفة للطرق الواجب إتباعها لتنقية النفس, والوصول للطهارة التي تُمكّن صاحبها من أن تصعد نَفسُه لخالقها بعد أن تخرج من الجسد.
“طوبى لمن عَرَفَك. طوبى لمن تحدَّثَ بعِلمٍ منك” الكنزا ربا اليمين ص7
“طوبى لمن نَهَلَ من حكمتِك, وتخلَّصَ من طُغيانِ هذا العالمِ بهِدايتِكْ, طوبى للكاملينَ الصَّادقين, الَّذينَ عَرفوكَ ومَيَّزوك, فصَعِدوا ظافرين إلى عالمِ النّورْ” الكنزا ربا اليمين ص8
“وبالمعرفةِ يَصعَدون بالمعرفةِ التي من بيت هيّي جاءَتْ يَصعدون” الكنزا ربا اليمين ص279.
ويكون التطهير للنفس من خلال العبادة والطقوس والإلتزام بمحددات لشهوات الجَسَد مثل الطعام والنوم والجنس (مصدر8) ولأن الشهوات تُزيد من تعلّق النَفس بالجسد وتُبعده عن التطهر وعن العودة لعالم النور, وكذلك تكون الفضيلة والأخلاق الحميدة وتطويع النَفس لتُحب الخير فقط من التعاليم المُشددة, ولكي تُبعدهم عن الخطيئة التي تُلوّث النَفس.
“قُلْ لهم إنَّ الكُرْهَ والحسَدَ, والنَّميمةَ من سمومِ الأشرار, ولن تَصعَدَ بصاحبِها إلى بلَدِ الأنوار” الكنزا ربا اليمين ص263
ولدى الناصورائيون الطرق المعرفية للتواصل مع الوحي الإلهي وهي الكنز المعرفي للناصورائية
“من تَعلَّمَ تَسابيحي ذُكِر اسمُهُ في عِلِيِّين. من استَنارَ بكلماتي أصبحَ من الأُثريّين. ومَن نَجا من غوايةِ الشَّيطانِ صَعِدَ إلى بلَدِ النُّورِ الأمين” الكنزا ربا اليمين ص14
“مَلكٌ سام عظيمُ المَقام ساهرٌ لا يَنام لا يُرى, ولا يُرام إلّا بالحَدْسِ والتَّلميح والصَّلاةِ والتَّسبيح ذلكَ هو مَلِكُ أكوان النُّور” الكنزا ربا اليمين ص246.
وكانت لديهم أيضاً وسائل سريّة لاتُعطى حتى لعامة المندائيين وإنما هي أسرار للناصورائيين فقط (مصدر9)
3- أعتبر فيثاغورس بأن النَفس ذات جوهر مُختلف عن البدن وهي أسمى منه, وأنَّ مركزها هو الدماغ, ولكنه لا يُسمح لها بالتحرر من الجسد في حالة الإنتحار, وإنما يجب أن تُكمل الطريق الذي رسمه لها خالقها ولكي تتطهر وتصبح نقيّة بما يكفي ولكي تصعد لخالقها, وهذه بالضبط فلسفة مندائية صافية, وفيما يلي بعض النصوص التي تُبينها.
“وهَلُمَّ لأكشِفَ لك عن باهري الصِّدقِ في هذهِ الدُّنيا. إنّهم حين تنتهي أعمارُهُم عنها يَرحَلون.. وإلى هناكَ يَذهبون.. يَطلبونَ فيَجِدون, ويُصَلُّون ويُسبِّحون.. ثوباً على ثوبٍ من الضّياءِ يَلبَسون, وثوباً على ثوبٍ من النُّورِ يَكتَسون يَفرحونَ ويَضحكون.. ويَتمتَّعون ويتألَّقون.. وفي مَلَكوتِ الحيِّ يُقيمون” الكنزا ربا اليمين ص229
“بل واحدٌ من الألفِ يصعَد. أمّا الشّائبة.. وأمّا الكاذبة.. فلا تصعَد. قال شلماي وندباي كلُّ ذي عيبٍ لن يصلَ إلى الحيِّ الأزليِّ العظيم” الكنزا ربا اليمين ص276
“إنَّ النّفوسَ عندَكم لانورَ لها حتى تخرجَ من جِذعِ الظَّلامِ الذي تقيمُ فيه.. ولاحياةَ لها حتى تَبرَحَ جذعَ الموتِ الذي تسكنُ فيه” الكنزا ربا اليمين ص198
“ياآدم. أتُريدُ حَقَّاً أن تعودَ إلى نعمةِ أبيك؟.. أتُريدُ أن تُوصلَ إلى بيتِهِ الكنزَ الَّذي فيك؟. أتُريدُ حَقَّاً أن تَمتلئَ بالحكمةِ ياآدم؟
إذَنْ فأقِمْ في هذا العالم. إصبِرْ على ما فيهِ من ظلام, ومن وَجَعٍ وآلام, حتى يَنتهي ماقُدِّرَ لكَ من الأيّام.. إنَّ عينَ مُخَلِّصِكَ عنكَ لاتنام” الكنزا ربا اليسار ص33
“إنَّكَ قد رأيتَ الضَّوءَ وسمعتَ الصَّوت, فلا تُفكِّرْ ياآدمُ في الموت, فلَنْ يفوتَكَ الفَوت” الكنزا ربا اليسار ص40
4- تركزت فلسفة فيثاغورس على مبدأ التشبُّه بنقاء الإله الخالق, وبمحاولة التدرب على جميع الصفات والفضائل والأخلاق الحسنة التي يعيشها المُختارون بجوار الإله, ولكي تكون النَفس قد إعتادت على الحياة القويمة والفضائل التي تُميز الحياة مع الإله, ومن هذه الفضائل كان إستخدام الرياضيات كوسيلة للتطهير, ولأن الرياضيات بأقصى كمالها هي صفة من صفات الخالق, ونجدها في التعاليم المندائية عبر الترميز بالأعداد ضمن النصوص الدينية (مصدر18) وإن العلم الحديث قد بين بكون الخالق هو الرياضي الأعظم, ولأن محاولات فهم الخلق والمخلوقات في وقتنا الحالي جميعها تخضع لقوانين الرياضيات المتقدمة (مصدر19)
5- أعتقد فيثاغورس بأن العالم المرئي الذي نعيش به هو عالم زائف ومُخادع, وبينما يكون العالم الحقيقي هو الذي يكون به الله الواحد وهو عالم غير مرئي (مصدر10) ولأن الفكرْ أعلى منزلة من الحِس, وأن الحَدَس أهدى إلى الحق من المُلاحظة, وعليه يتوجب على الإنسان أن يستثمر وقته في هذه الحياة بأن يتطهر من سيئاته وأدرانه, ولكي يستطيع أن يصعد للعالم المثالي العلوي بعد أن تُفارق نفسَهُ الجَسَد, وهذه أيضاً فلسفة مندائية خالصة
“طوباكِ أيَّتُها النَّفس.. أيَّتُها النَّفسُ التي خرَجَتْ من العالمِ.. طوباكِ. لقد خَرجتِ من هذهِ الدار, دارِ الخَطايا والأشرار. تركتِ عالمَ الظَّلام, عالمَ الكُرْهِ والحَسَدِ والآثام. فارَقْتِ عالمَ الأوجاع.. عالمَ الزَّيفِ والخداع. إصعَدي أيَّتُها النَّفس.. إصعَدي إلى دارِكِ الأولى, دارِ الأثريّين.. دارِ أهلِكِ الطَّيّبين” الكنزا ربا اليسار ص48
“تلكَ هيَ عَوالمُ الرَّحمن. بعيدةٌ عن كلِّ الأكوان. لا يرقى إليها عَيبٌ ولا نُقصان. ولا زَيْفَ فيها ولا بُهتان” الكنزا ربا اليمين ص247
6- أسس فيثاغورس مدرسته في إيطاليا والتي كانت أخويّة عَهد, تعتمد على مجموعة من القوانين والتعاليم لغرض تطهير النفس من شوائبها, وقسم كبير من هذه التعاليم هي بابلية ومندائية (مصدر7), ومنها
6.1 إنَّ أسم ومبدأ أخوية العهد هو بابلي ومندائي ويُسمى بالمندائية “آهي اد كُشطا” أي أخوة العَهد, وهي كفكرة لم تكُن معروفة في اليونان القديمة أو في إيطاليا ولهذا فكانوا أحياناً يُسمونها مدرسة فيثاغورس وأحيانً دير أو معبد فيثاغورس, ولكنها من المفاهيم الأساسية في الكتب المندائية المُقدسة وخاصة الكنزا ربا ومن النصوص التي تتحدث عنها
“إخوَةُ الجَسَدِ باطلون, وإخوَةُ كشطا باقون. فكونوا ياإخوَةَ الصِّدقِ مُقيمينَ على مَحبَّتِكم لا تتبدَّلون” الكنزا ربا اليمين ص17
“كلُّهم لُطَفاءُ طيّبون, وحُكَماءُ صادقون. لا إساءةَ فيهم ولا خِداع. بَعضُهُم يَحلُّ في منازلِ بعضٍ لا يُخطِئون, ولا بعضٌ إلى بعضٍ يُسيئون. مُعزَّزون مُكرَّمون. كمِثْلِ أهدابِ العَينِ مُتَشابهونْ. نَواياهُم بعضٌ لبعضٍ مكشوفةْ, وأخبارُ ما تَقدَّمَ وما تَأخَّرَ لدَيهِم مَعروفةْ. يُنير بَعضُهم بَعضاً, ويُعَطِّرُ بَعضُهم بَعضاً, ويَمدُّون الكشطا بعضُهم إلى بعض” الكنزا ربا اليمين ص5
“أيُّها المؤمنون. أيُّها الكاملون
أحِبُّو لأصحابِكم ما تُحِبُّو لأنفُسِكم, واكرهوا لهم ماتكرهونَ لها” الكنزا ربا اليمين ص20
6.2 لَبِسَ فيثاغورس والفيثاغوريون من بعده الأبيض, إلزاماً كزَي موحّد لجميع الناس في أخوية العهد, وهو نفس ما يَنُص عليه في الفلسفة المندائية, والتي تنص تعاليمها على لبس الأبيض وكذلك كانت التعاليم بالنسبة لرجال الدين البابليين (مصدر20) وفي الكنزا ربا نجد من تلك النصوص
“إلبَسوا الأبيض. واكتَسوا الأبيض.. ألبِسَةَ الضّياءِ وأرديَةَ النّور. وأعتَمُّوا بعَمائمَ بيضٍ كالأكاليل الزَّاهية” الكنزا ربا اليمين ص24
6.3 دَعت أخوية فيثاغورس إلى العيش بزهد وبساطة, وهو نفس ما ينُص عليه في الفلسفة المندائية وفي الكنزا ربا نجد من تلك النصوص
“لا تَكنِزوا الذَّهبَ والفضَّة, فالدُّنيا باطلةْ. ومُقتَنَياتُها زائلةْ” الكنزا ربا اليمين ص11
“الوَيلُ لي.. ماذا ادَّخرتُ لنفسي بعد أجَلي؟
لقد شَغَلني ذَهَبي.. وشغَلَتْني فضَّتي. ذَهَبي رَماني في الجحيم, وفضَّتي أسكَنَتْني في ظلامٍ بَهيم … صارَتْ شَهَواتي سُدودي, وغرائزي سَلاسلي وقيودي” الكنزا ربا اليسار126
“عارياً غادرَ هذا العالم
تاركاً بيتَهُ للخراب
وأموالَهُ للغَنيمة
هذا الغنيُّ الوَجيه
عارياً غادرَ هذا العالم
هكذا تذهبُ الدَّوالي الرديئة” الكنزا ربا اليمين ص240
6.4 عدم الإسراف بالطعام والشراب, وهو ما ينُص عليه في الفلسفة المندائية وفي التعاليم المندائية نجد
“وَيلٌ لعَينَينِ لاتَمتَلئان, ولجوفٍ لايَشبَع” الكنزا ربا اليمين ص297
6.5 عدم القَسَم ولأنهم يُفترض أن يكونوا صادقين في جميع أقوالهم, وهو نفس ما ينُص عليه في الفلسفة المندائية وفي الكنزا ربا نجد من تلك النصوص
“كلُّ مَندائيًّ يقفُ صادقاً, سأضعُ يَميني عليه, أنا مندادهيّي..” الكنزا ربا اليمين ص28
“يَصعدُ الصّادقونَ المؤمنون.. يَرَون الدارَ المُتقَنةَ وعنها يَتحدَّثون” الكنزا ربا اليمين ص272
“رأسُ الصِّدقِ ألاّ تُحرِّفَ الكلام” الكنزا ربا اليمين ص172
6.6 القواعد الأخلاقية في ضبط النَفس وتهذيبها لدى أخوية فيثاغورس, وهذه موجودة بكثرة في الفلسفة المندائية, وهذه بعض النصوص منها
“رأسُ فضائِلكَ أن تنتًصرً على نفسِك” الكنزا ربا اليمين ص173
“أيُّها الأصفياءُ والكاملون, صونوا أنفُسَكم من الغِشِّ والأثمِ والزُّور, والكَذِبِ والزَّيفِ والشُّرور, واتَّقوا الدَّجَل والأفْكَ والضَّلالة, والفِتنَةَ والقَسوةَ والجهالة, ولاتكفُروا, ولاتَقرَبوا الزِّنى. واجتَنبوا الحَسدَ والبَغضاء, والحقدَ والكُرهَ وعَدمَ الحياء” الكنزا ربا اليمين ص175
“صُومُوا الصَّومَ الكبير, صومَ القَلبِ والعَقلِ والضَّمير. لِتَصُمْ عيوُنكم, وأفواهُكم, وأيديكم.. لا تغمِزُ ولا تَلمِز. لا تنظروا إلى الشَّرِّ, ولا تَفعلوه. والباطلَ لاتسمعوه. ولاتُنصِتوا خلفَ الأبواب. ونَزِّهوا أفواهَكم عن الكَّذِب. والزَّيفَ لا تَقربوه..” الكنزا ربا اليمين ص14
“نقيٌّ أنا نَقاءَ الأُثريّين, وإن أقَمْتُ في ثوبِ الطِّين بَقيِتُ فيهِ عامراً بالأيمان.. لاعَوْزَ يَدنو مني ولانُقصان” الكنزا ربا اليسار ص34
“طوبى للَّذين من البلَدِ النَّقيِّ أتَوا, وإلى البَلَدِ النَّقيِّ يَرجعون, إنَّهم على نَقائِهم باقون” الكنزا ربا اليمين ص193
6.7 جعل فيثاغورس من أكل الفول أو الباقلاء خطيئة, وربما كان هذا الأمر مدعاة للتَندُّر من قبل بعض من لم يعرفوا بتعاليم الديانات في بلاد وادي الرافدين, ولكن هذا الامر مرتبط بالطهارة الجسدية ولها علاقة بالديانة المندائية, وحيثُ أنَّ الوضوء الذي يجب أن يُجرى في النَهَر قبل كُل صَلاة, يَبطُل في حالة خروج الريح, ولهذا كان هؤلاء الناصورائيون يسعون إلى البقاء في حالة طهارة لأطول وقت ممكن, ولكي لا يحتاجون للعودة إلى النهر وأداء الوضوء مجدداً في حالة الطقوس والصلاة والتي تكون عادة لوقت طويل, ولهذا فلم يكن الناصورائيون يأكلون أي من الأطعمة التي يكون هضمها عسيراً أو التي تَتخمّر في الأمعاء, وأهمها الباقلّاء ولأنها معروفة زراعياً مُنذ القِدَم. ويُروى عن أبو أسحق الصابئي في العصر العباسي بأن عز الدولة البويهي قد أمر له بألف دينار من الذهب إن هو أكل الباقلاء ولكنه أمتنع عن ذلك (مصدر21)
“يأكلونَ ماليسَ مُعسِرا, ويَشربونَ ماليسَ مُسكِرا” الكنزا ربا اليسار ص8
6.8 كان أتباع أخوية العهد لفيثاغورس جادّين, ولايُكثرون من المزاح والتندُّر والضَّحك ولأنه يتعارض مع الحكمة التي تتطلب الجدّية التامّة في الحياة, وهو نفس ما ينص عليه في كتاب الكنزا ربا
“رأسُ الحكمةِ ألّا تكونَ هازلاً” الكنزا ربا اليمين ص172
“خَفْضُ الصَّوت, واتِّزانُ الكلمة, من أوَّليّاتِ الحِكمة” الكنزا ربا اليمين ص176
وكذلك توجد بعض التعاليم التي قال بها فيثاغورس والتي لا تتفق مع التعاليم المندائية البابلية أو المصرية القديمة, والتي كان هو قد أعتقد بها (مصدر10) فهو كان فيلسوف ولم يكن منتمي لدين معين ولكي يتّبع تعاليمه بحذافيرها. ولكن فيثاغورس وأخويّته من بَعده, قد اعتمدوا على العديد من العلوم والمفاهيم الدينية والفلسفية التي تعلمها في وادي الرافدين وفي مصر, وكانت موجودة في هاتين الحضارتين قبله بآلاف السنين, ولكنه كباحث وكفيلسوف أكثر من كمؤمن ومتدين بدين مُعين, فقد قام بمزج تلك المعلومات مع بعضها البعض, فكان يؤمن بالتوحيد والفلسفة الدينية التي تجعل المعرفة كأساس للتطهير والتي قال به المندائيون, ومن الرياضيات والعلوم التي تلقاها من مُعلمه الناصورائي والذي كان هو نفسه يحمل العلوم البابلية, فالمندائيون كانوا من البابليين الذين تميزوا بالتوحيد, في حين كان مُعظم البابليين الآخرين يدينون بالآلهة المُتعددة ولهذا فنجد الكثير من النصوص المندائية في الكتب المُقدّسة تدعوا هؤلاء لنبذ الأصنام والعبادة الوثنية, وكذلك فقد تَعلّم إستخدام الموسيقى كطقس ديني من الديانة الوثنية البابلية, والتي كانت أساسية ومتميزة وأصيلة في المعابد مثل معبد شامش ومعبد أنليل وغيرها, بينما تُحرّمها المندائية, وفي النَصْ هذا يتحدّث هيبل الناصورائي عن لقائه بهؤلاء الذين يعبدون الكواكب.
“كان ترتيلي لايُشبِهُ غناءَهم, وتَعليمي لايُشبِهُ ادِّعاءهم” الكنزا ربا اليمين ص208
وكذلك أخذ فيثاغورس بالأفكار الفرعونية التي تعتقد بالتقمص وبتناسخ الأرواح, وبأنّ نَفس الإنسان تحتاج إلى آلاف السنين لكي تتطهر من الشوائب الشريرة التي علقت بها, ولهذا فهي تُعاد وتُغرس في أجساد أخرى ودورة حياة أخرى بعد الموت, وبعد أن تصل النفس إلى مرحلة الطهارة التامة تخرُج من دورة التناسخ وتذهب لتتحد مع الآلهة, ولأنها قد أصبحت نقية بمثل نقائهم. وإنما كان التطهير في هذه الحياة مُهم, لأنه أعتبر بأن الشخص الذي يُـصبح طاهراً فسوف ترتفع نَفسه بعد الموت لتكون مع الله, ولن تعود لدورة التقمص أو التناسخ بجسد بشري أو حيواني مُجدداً.
وأمّا أخوية فيثاغورس التي كان قد أسسها بتعاليمه, فهي قد أبقت على تعاليمه التي أخذها من بلاد وادي الرافدين ومصر من بعده, ونسبت كُل تلك التعاليم والأفكار العظيمة له وحده, فرفعوه إلى مصاف الأنبياء تارة وتارة أخرى إلى عبقري العصور كافة!!
وحيثُ أنَّ المُستشرقين والباحثين الغربيين قد دأبوا على أن ينسبوا كُل ما يستطيعون من نتاج الحضارة الإنسانية دينياً وعلمياً وثقافياً, إلى الحضارات ذات الجذور الأوربية, ولم يكُن الموروث العلمي والفلسفي الفيثاغوري استثناءً لذلك (مصدر11), وكمثال على هذه الحالة هي حسابات المُثلثات ونظرية فيثاغورس حول حسابات المثلث القائم الزاوية, وهي تُعد من أهم أكتشافات فيثاغورس ولكن فقد اتضح لاحقاً بأن البابليين قد عرفوا بهذه النظرية واستخدموها قبل أكثر من الف سنة من ولادة فيثاغورس (مصدر12), وبالتالي فإن العمارة البابلية والمصرية الفذّة وأدلّتها في القصور والزقورات والأهرامات وحدائق بابل المُعلقة ونُظُم الري المتطورة, هي شواهد على الفن المعماري الراقي والذي كان يستخدم الرياضيات المُتفوقة قبل الإغريق بآلاف السنين, وما كانت الأخويّة أو المدرسة الفيثاغورية في حقيقتها سوى ترجمة وتجميع وتوثيق لمكتشفات مصر وبلاد وادي الرافدين العلمية والفلسفية والدينية والثقافية (مصدر13), ولكن هذه المدارس الفيثاغورية ومن أتى بعدها بَرعت في المنطق وفي التنظير للأخلاق الحميدة أيضاً.
وحيثُ أنّ الجذور المندائية الضاربة في القدم منذ العصر السومري (مصدر14&15) كانت حاضرة في مهدها في بلاد وادي الرافدين, ولأنها كانت ديانة نُخبوية في بابل خاصة بمجموعة من رجال الدين العرّافين وكانت تُسمّى بالناصورائية (مصدر15), وبالتالي فما كان من طالب العلم فيثاغورس الذي تعلّم فيها إلا أن ينقُل هذه الديانة العريقة وفلسفتها إلى مدرسته في اليونان القديمة ولاحقا إلى إيطاليا, ولكن هذه الحقيقة الواضحة تجد من يُحاول عكسها من قبل الباحثين الغربيين فهم وكما أخذوا مُعظم الموروث العلمي والثقافي لمصر وبلاد وادي الرافدين ونسبوه للحضارات ذات الأصول الأوروبية, فهم يُحاولون أن ينسبوا الفلسفة الدينية المندائية إلى فيثاغورس وكأنما كان فيثاغورس هو النبي الذي أتى بالدين المندائي أو أنَّ المندائيين قد ذهبوا إلى أخويّة فيثاغورس في إيطاليا وتعلموا دينهم هناك وعادوا! أو أنَّ تلك التعاليم الفيثاغورية قد أتت للمندائيين بعد إحتلال الأسكندر الأكبر لبابل في القرن الثالث قبل الميلاد!!
وطبعاً فأنَّ الجيوش الغازية لاتجلُب معها المُفكرين والعُلماء, وإنما تَجلُب القَتَلة وسافكي الدماء! وخاصّة بأن بابل كانت قبلة العلوم والحضارة في العالم القديم أجمعه.
كما وأنَّ هذه الإدعاءات لا تصمد أمام التحليل العلمي, ولو كان أي منها صحيح, لوجدنا آثار ومُصطلحات من اللغات الغربية – اليونانية أو الإيطالية, في داخل اللُّغة المندائية والتي هي ذاكرة من الزمن القديم, ولكنه وبشهادة مُعظم الباحثين الغربيين أنفسهم, فأنَّ اللُّغة المندائية هي آرامية شرقية ونقية من أي شوائب غربية (مصدر16) وهي من أقرب اللُّغات إلى الأكدية (مصدر17).
وكذلك فأن الديانة المندائية ذات فلسفة متكاملة وقائمة بذاتها, وهي غير معتمدة على مُعتقدات باقي الديانات والأمم, وهي فلسفة متفرّدة وأصيلة ورغم وجود بعض التأثيرات المتداخلة مع الأديان الأخرى بسبب التَجاور لآلاف السنين ولكنها ليست هجينة, كما هي الحال مع بعض الديانات التي تركبت أحدها على الأخرى!!
كما وأنَّ المندائيين كانوا ملتزمين بالطقوس والعبادة والإيمان بدينهم والذي هو امتداد لديانات بلاد وادي الرافدين العريقة والسحيقة في القِدَم, ولكنه لم يكن نفس الحال مع فيثاغورس والفيثاغوريين من بعده والذين كانوا فلاسفة وباحثين علميين, ولأنهم بأفكارهم الجديدة كانوا يناقضون الديانة الوثنية السائدة في اليونان وإيطاليا في ذلك الوقت, أي أنّ البحث العلمي والفلسفي كان هو هدفهم من أخذ تلك المعلومات ولم تكن العبادة هي التي جلبتهم لهذه الفلسفة كما هو حال المندائيين, وأيضاً فمن طبع الباحثين هو دراسة الفلسفة الموجودة لدى الأقوام الأخرى وبعد ذلك تشكيلها بما يناسب أفكارهم, وهو الذي عَملوه, ولكن فيثاغورس كان قد ركّزَ على إستخدام مبدأ الرياضيات باعتبارها من الأعمال الفاضلة, ولأن جميع الأعمال التي تُركِز على العقل والفلسفة فهي فاضلة وهي طريق لتطهير النفس مما يعلق بها من شوائب.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1
كتاب فوضى في صف الفلسفة, رياض عوض ص76
2
3
Pythagoras: His Life and Teaching, a Compendium of Classical Sources, Thomas Stanley, Chapter 5
4
The History of Philosophy, the Third and Last Volume, in Five Parts. Thomas Stanley 1660, Chapter V
5
https://historyofassyrianscom.wordpress.com/تسمية-الكلدان-تزوير-مُتعمد/
6
كتاب الفهرست للنديم, المقالة التاسعة ص383
https://mandaeannetwork.com/Mandaean/books/other/sabians_mandaean_alfahrast_kamel_abn_alnadiem.pdf
7
التطهيـــر عنــد اليونـــان, د. أيمن عبـد الله شنـدي, ص297
8
https://mandaean.home.blog/2019/05/14/الصيام-في-المندائية/
9
https://mandaean.home.blog/2019/05/14/السلالات-الوراثية-الناصورائية/
10
كتاب تاريخ الفلسفة الغربية (الكتاب الأول) الفلسفة القديمة – برتراند راسل, ص72-73
11
http://www.alhayat.com/article/1045860
12
13
https://www.almasryalyoum.com/news/details/5242
14
https://mandaean.home.blog/2019/05/13/السومريون-البابليون-المندائيون-الجز/
15
المثولوجيا المندائية, خزعل الماجدي, ص42
16
كتاب الصابئة المندائيون, دراور ص43
17
اللغــــة الـمنـدائيــّة تاريخها وحاضرها, د. قيس مغشغش السعدي
http://maakom.com/site/article/3634
18
https://qadaha.wordpress.com/2019/07/25/الكرصة-والرقمنة-المندائية/
19
20
Aprim F., M.j, Amandaean phylaclrcy, Iraq, 1938, P.5
21
https://www.marefa.org/أبو_اسحق_الصابئ