التآخي بين العشائر المندائيّة
لقد كانت مدينة العمارة قد تأسست عام 1860 ومن أوّائل المندائيين المستوطنين كانت عشيرة المندويّة. حيث كانت العشيرة موزعة على نواحي العمارة والقرنة والقلعة والجبايش وسوق الشيوخ. ولكن وخلال تأسيس مدينة العمارة تحوّل كثير منهم من مدنهم في سوق الشيوخ والجبايش إلى العمارة. وكان رئيس الطائفة في وقتها الشيخ صَحَنْ الشيخ صَكر, وهو كان القائم على توزيع الأراضي الجديدة للعوائل حسب تخويل الاحتلال العثماني لشيوخ العشائر بالتصرّف بالأراضي التابعة لعشائرهم.
وحيث أن المندائيين وعشائرهم المختلفة في القرن الثامن والتاسع عشر كانوا موزعين على مدن بلاد الرافدين الجنوبيّة التاريخيّة وأقضيتها في الناصريّة وميسان والبصرة, وكذلك المدن التي احتلتها إيران لاحقاً وهي الأهواز وشوشتر وديزفول والتي نزح لها الفرس وفاقوا سكانها المندائيين عدداً. وبسبب دينهم المختلف فهؤلاء كانوا يعانون من شتى أنواع الاضطهاد والتنكيل الذي أذاقه لهم الفرس, والذي زاد عليهم خلال القرن التاسع عشر لدرجة دفعتهم إلى الهروب بأرواحهم نحو أهلهم من صابئة العراق وخاصّة في مدينة العمارة الجديدة ونواحيها. ولهذا فكان كثير منهم يدخل على العشيرة المندويّة ويصبح من أخوانهم وأبنائهم, لكونها العشيرة صاحبة الأرض. فينضم لها ويصبح لقبه المندوي ولكي يحظى بتقدير المجتمع من ناحية حصوله على عمل أو التقدم للزواج ولأن السلالات الدينيّة (الحلاليّة) كانت تتزوّج فقط من السلالات الدينيّة الأخرى, وأن العشيرة والانتماء لها كانت تمثّل قوّة لجميع الأفراد. وكمختصر لتلك القصص حول النزوح لمدينة العمارة من المدن التي احتلتها إيران, نذهب إلى الأزهار المُرفق للشيخ مُران الشيخ زهرون الصابوري الذي كتبه عام 1881م, وفيه يروي قصته ونزوحه من الأهواز إلى العمارة لأن حياته هناك كانت سيئة. وكذلك يسرد أحداث تاريخيّة أخرى مهمة.
بالتأكيد فأن المندائيين في الوقت الحالي هم متصاهرين إلى درجة كبيرة. ولا توجد مفاخرة لعشيرة على أخرى ولكن توجد لمندائي على آخر بناء على أخلاقه أولا وعلمه وعمله ثانياً. فنجد على سبيل المثال بأن مجموعة كريمة من مندائيي إيران وهم العبادة وكان كبارهم يعتقدون حسب معلوماتهم الشفويّة بأنهم ضمن العائلة المندويّة رُغم أنهم لم يمتلكوا أي معلومات موثّقة عن نسبهم أو دليل عليه. ولكن من البحث في أصولهم ضمن أنساب العشائر التي تحوّلت للإسلام فنجد بأنهم يلتقون مع العشيرة الكحيلية /الجحيليّة المحترمة (1). وهذا أكثر صحّة لأن العشيرة المندويّة عبر تاريخها اقتصرت على المدن الرافدينيّة التي أصبحت ضمن العراق, بينما أن كل من العبادة والكحيليّة كانت لها جذور وتواجد في المدن التي احتلتها إيران وبنفس الوقت فلهم امتدادات في مدن العراق, ولهذا فنجد بأن عشائرهم موجودة ضمن العشائر العراقيّة.
أنّ أغلب التدوينات كانت مُقتصرة على الشيوخ في ذلك الزمان لكونهم يعلّمون أنفسهم ويعلّمون بعضهم البعض, ولديهم مصداقيّة في الغالب لأنهم أقسموا على الكشطا. بينما لم يكن عامّة الناس يكتبون أنسابهم بسبب انتشار الأميّة والجهل. ولهذا فكانوا يعتمدون على رواياتهم الشفويّة وتوجد أخطاء كثيرة لديهم. وحتى تلك الروايات الغير موثّقة بالأزهارات والمنقولة عن النزوليات التي حصلت قبل مئتي عام وخاصّة تلك المروية بطريقة الحبكة الدراميّة ؛ مثل تلك القصّة عن أحد المسلمين في المدن التي احتلتها إيران والذي كان قد أدّعى بأنه مندائي طوال حياته لكي يزوجه المندائيون ويعتنوا به ولكنه أفشى سره خلال آخر يوم في موته, ومثلها قصص الطنطل والعفاريت والجن فلا صحّة لها. ولكن هؤلاء كانوا أناس بسطاء يصدّقون الإشاعات التي كانت تمثّل أساس القصص والمرويات التي يسلّون بها يومهم فلا يوجد لديهم تلفاز ولا كتاب ولا راديو سوى تلك القصص التي يعيدون بها ويزيدون عليها. وخاصّة إذا ما كانت هنالك عداوة أو حقد بسبب شأن أجتماعي مثل إهانة لحقت بسبب طلاق أو حب لم يتكلل بزواج أو حسد لمال أو لجاه, فكانوا ينسجون القصص والأشعار الكاذبة والنميمة لكي ينتقصوا من الشخص أو العشيرة المعنيّة. وقد بحثنا في أصل الشخص الذي أدّعوا بكونه غير مندائي فإذا به ينتمي لعشيرة ناصورائيّة كُنيتهم قطانا وشيوخهم كانوا يَنسخون الكتب المندائيّة.
“هذا الكتاب “دراشا اد ملكي” نسخته أنا العبد الفقير .. الربي آدم زهرون بر ربي زكي شيتل بر ربي رام بختيار بر ربي بهرام شدان بر يهيا ميمين بر آدم بر ربي سام يهانا بر ربي سام كنيانة قُطانا.
نسخته للمؤمن مهتم بر يهيا بختيار كنيانة قُطانا ليكون له ذِكر في الأرض وفي عوالم النور.
ونسخته من الكتاب الذي نسخه الربي آدم بر زهرون بر يهيا آدم بر منصب بر فرج بر نسيم بر عبد بر عزيز بر عبادي كنيانة عبادي ونسخها من ..” هوامش كتاب دراشا اد ملكي 1630م
وكذلك فأن كُنية العشيرة المندويّة هي إكوما بينما كُنية العبادة هي عبادي كما في الأزهار السابق.
الباحث والمؤرّخ الأستاذ حميد مجيد سويّر
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
الموقع الرسمي لإمارة عشائر عبادة