شفاعة الصدّيقين وكُشطا المؤمنين
لا شك بأن الدين المندائي والذي هو الدين التوحيدي الأول, يتميّز بأن فلسفته الخاصّة بالألوهية تَحصرها في الحيّ العظيم وحده، ولا تَجعل من شريك له, ولهذا فيكون الحَول والقوّة بيد الله وحده, وكذلك الدُعاء والرجاء هو له ومنه لوحده.
أنّ هذا التوحيد الصافي، كان هو السَبب الذي جَعلَ الناصورائيين لا يكتبون حتى أسمائهم على النصوص الدينيّة، التي كان الحيّ العظيم يوحي بها لهم، فيما عدى الشخصيات التاريخيّة الرئيسيّة والتي عُرفت من خلال تأثيرها في الديانات الأخرى. وكذلك فكان أجدادنا يَكتبون فقط أسمهم الديني (الملواشة) ولا يكتبون أسمائهم الصريحة على الكتب الدينيّة التي يخطّونها بأيديهم خلال سنوات من العمل الشاق, وحتى الرسوم التوضيحيّة في الدواوين المندائيّة هي كانت بَسيطة قدر الإمكان ولكي لا تُصبح شخصياتها أيقونات مُقدّسة.
ولكي يَبقى التوحيد للخالق الجبار وحده, ولا يصبحون مثل الديانات الأخرى التي أصبحت تُقدّس الرُسل والأنبياء بمثل تَقديسهم للخالق! بينما كان بإمكانه سُبحانه أن يُرسل في كل يوم رسول وفي كل ساعة نبي, ولكنه أراد أن يَختبر الإيمان بإرادة الإنسان وليس بالجبر والإمعان.
ومع ذلك فمن خلال مُتابعة كتبنا الدينيّة نجد بأن هنالك شفاعة لدى المُختارين الصالحين، فلو ذَهبنا إلى أحد نصوص الكنزا ربا اليسار والذي يتحدّث عن إحدى بنات الكُشطا والتي هي من عائلة مؤمنة، ولكنها أخطأت بعدم تَقديمها المُساعدة للناس عندما كان باستطاعتها عمل ذلك وهذه صفة الإنسان الأناني، ولهذا فقد تمّت مُحاسبة نَسمتها عندما أنتهي عمرها في هذا العالم، وفي ختام النَص وبرُغم إدانتها في دار الحساب ولكن نهاية النَص توحي بأنّ الغُفران ممكن أن يكون من نصيبها، ولأن هنالك شفاعة للصدّيقين والمؤمنين.
“- أيُها الطيّب لقد أخطأتُ وأوقعتُ غَيري في الخَطيئة،
ولكن أغفر لي لأن أَبي كان قد وَزّع الطعام،
وأُمّي أعطت الصَدَقة.
*
أمّا أبوكِ فقد كان يوزّعُ الطعام عن نفسهِ.
وأمّا أمُّكِ فكانت تَتصدّق عن نَسمتها.
ولكن غافر الخطايا والذنوب، يَغفرُ للنشماثا بقوّة الصدّيقين وبكشطا المؤمنين” الكنزا ربا اليسار
أنّ طَلب الغُفران للمتوفين والشفاعة لدى المؤمنين الصادقين منهم, كانت هي الأساس لطقوس اللوفاني في المندائيّة, والتي هي من الطقوس السومريّة حيث كانوا مؤمنين وملتزمين جداً في وقتهم, فيقدّمون القرابين والذكر الطيب للمُتوفين من أقربائهم وملوكهم, وذلك لطلب الغفران لهم وللتقرّب والشفاعة منهم, فكانت نصوصهم تقول بأنه كلما زاد عدد أولاد المتوفي زاد ثوابه في آخرته (مصدر) ولأنهم سوف يذكرونه كثيراً, وكذلك فأن روحه سوف لن تقوم بإيذاء الأحياء من أقربائه.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
بحث: الطقوس الجنائزية ودوافعها في بلاد الرافدين خلال العصر السومري, الدكتور أحمد محمد شحود, ص693