
درجات السلك الديني المندائي
عند الحديث عن التدرّج بالدرجات الدينيّة المندائيّة يتبادر للذهن فوراً الطموح المادي وإن الرتبة الأعلى هي أفضل لصاحبها. ولكن هذا غير صحيح في العالم الروحي. حيث أنّ الرتبة الأعلى دينيّاً تعني بأن صاحبها قد أبتعد أكثر عن الماديات والمتع والسياسة وأقترب أكثر من العالم الروحي. وكما يبدأ مساعد رجل الدين الاشكندا بمهام الطقوس الكثيرة ويمثّل مع الترميدا الدرجات الأكثر عملاً في الطقوس ولأنهم في طور تطبيق التعاليم الدينيّة بصورة عمليّة. وهو ما يتطلب منهم الوقت الكثير والاحتكاك مع الناس بصورة أكبر. وأن الاشكندا الذي تعلّم إجراء الطقوس بصورة عملية وحَفَظَ النصوص ودَرس الفلسفة بصورة كاملة هو يترقّى إلى ترميدا عبر طقس خاص وامتحان. وبعدها يُفرض عليه التعبّد بصلاة الرهمي ثلاث مرّات في اليوم لمدة ستين يوماً. وفيها يبتعد عن العالم المادي ويلتزم بأقصى درجات الطهارة الروحيّة والتي تتطلّب منه حتى أن يبتعد عن الفراش الزوجي أيضاً.
وبعد سنوات وعندما يحفظ الترميدا النصوص المهمّة الأخرى ويكتمل فهمه لكل الكتب والدواوين بلغتها الأصليّة. ويصبح مستحقّاً ومؤهلاً لأن يكون كنزبرا؛ وهو المرجع الديني الذي يرشد السائلين من الترميدي بمعرفته وعلمه ويكون المؤتمن على التعاليم وعلى تطبيقها بصورة صحيحة. وهناك العديد من المحددات للترميدا المُستحق الذي يريد أن يترقّى: منها أن يكون متزوّجاً ومنجباً, وأن يرسل الرسالة عبر طقس وإجراء ديني يقوم به مع توديعه لنشمثا احد الصالحين قبل مفارقته الحياة بوقت قصير. وبعد ذلك يتوقف عن إجراء جميع الطقوس الدينيّة ولغاية أن يقوم بمراسيم قابين شيشلام ويزوّج أحد رجال الدين وبعدها فقط يعود لطقوسه. وغالباً تستمر تلك العمليّة لسنوات بسبب عدم أمكانية إجراء الطقسين بسرعة لصعوبة الحصول عليهما بفترة قصيرة. ولهذا فيبقى يتعبّد ويتأمل ويبحث في النصوص وفي ملكوت الخالق العظيم طوال تلك السنين ويحفظ طهارته.
ومن هذه العملية فنعرف بأنه كلما ارتفعت الدرجة الدينيّة, زاد أبتعاد رجل الدين عن العالم المادي وأقترب أكثر من العالم الروحي. فيبتعد أكثر عن المُتع والمال والسياسة ويتقرّب أكثر من الزهد والتعبّد والمعرفة؛ وعندها قد يصل للمرحلة الروحيّة العالية فيصبح لديه تواصل ربّاني “إمرا وشيما”. وأن الكنزبرا الذي يصل لتلك المرحلة يصبح ريش امه أو رئيس الأمّة وتأتيه بشهادة إنجازاته وهيمنوثته ومعجزاته. وهذه الدرجة الدينيّة هي نادرة لم يصلها حسب كتبنا سوى شخصيّة آدم بولفرز أو آدم أبو الفرج. وهنالك ذكر لشخصيّة الريش أمه قيقل الذي كان في بداية العصر الإسلامي أيضاً والذي تمّ ذكره في مخطوطة حرّان كويثا التاريخيّة. وعدى عن هذه الشخصيتين فلا يوجد ذكر لرجال دين وصلوا لهذه الدرجة العالية في نصوصنا. يضاف لهم الناصورائيون الأوائل “آدم, شيتل, رام, شورباي, نو, سام بر نو, دنانوخت, يهانا”.
وتوجد نصوص تحذّر رجال الدين من الحصول على درجة لا يستحقونها وتتوعدهم بالعقاب.
علماً بوجود تكملة من قبل أحد رجال الدين القدامى لترتيلة ابهاثن قدمايي, وفيها يقوم بتعداد بعض الأسماء لرجال ونساء بدرجة الريشما. وقد قمت بالبحث في هذا الموضوع وتبيّن بأن الناسخ كان قد نقل أسماء الناسخين القدامي للكتب المندائيّة وقام بتوزيعها بصورة عفويّة إلى ترميذي وكنزبري وريشمي (1), ولهذا فأن الموضوع لا يعدو كونه خطأ تمّ تناقله عبر القرن الماضي أو القرون القليلة الماضية.
ولو أعطى أحدهم لنفسه درجة من درجات النبوّة فعليه أن يتّصف بصفاتها العالية مثل الصدق والأمانة وأن يترك السياسة والمراوغة. ولا يجب عليه أن يستأثر لنفسه ولمجموعته الضيّقة بكل شيء؛ بينما هو لا يقبل حتى بمشاركة رمزيّة مع رجال الدين الآخرين جميعهم وخاصّة في أوقات الخطر والتشرذم والضَياع. الآن هو الوقت المناسب لرجال الدين لكي يفكّروا بتوحيد جهودهم في سبيل إبطاء التشرذم بمجتمعنا المندائي الذي يعاني بشدّة وهو أمانة في أعناق رجال الدين والمخلصين من أبناء الطائفة. ونحتاج لأناس شجعان لا يكتفون بالفرجة وإنما يبادرون بالعمل الجاد لأن الخطر محيط بكل مجتمعنا المندائي العريق.
الترميذا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
1. السلك الديني المندائي الذكوري / تكملة