في عام 1945 في مصر وأثناء عملية الزراعة التي يقوم بها أحد الفلاحين المصريين, وُجِدَت جَرّة طينية كبيرة وبداخلها 52 مخطوطة وكتاب مكتوبة على ورق البردي (مصدر1&2), وسُمّيَت بنجع حُمّادي نسبة إلى القرية القريبة منها, مُعظم هذه الأعمال تم تصنيفها على أنها أناجيل غنوصية غير معروفة, ورُغم أنها لاتتفق مع العقيدة المسيحية, ولهذا فقد بقيت في طي الكتمان لسنين طويلة وتحفظوا على نشرها, وحتى تم تكليف أحد الباحثين العالميين وهو قام بترجمتها ونشرها, وطبعاً لانتوقع عمليات ترجمة وتوثيق مهني لهذه الأعمال ولأنها أخذت أكثر من 31 سنة لكي ينشروها وبالتالي رُبما قد تمت عليها عمليات تحوير كبيرة للمعاني, وحتى بدَسْ بعض النصوص الخارجية معها ولكي تُصبح متوافقة مع البحوث الدينية الحالية, وكما حصل مع مخطوطات البحر الميت والتي أعلنت إسرائيل أكتشافها في أماكن قريبة عن نجع حُمّادي بعد سنوات قليلة, ولاحقاً تم أكتشاف عمليات تزوير ودَسْ للنصوص العبرية معها لغرض التزوير التأريخي العالمي (مصدر3,4,5).
لقد كُنا قد بينا بأن المصريين قبل المسيحية كانوا يسيرون على التعاليم المندائية التوحيدية (مصدر6,7) وحتى إحتلال مصر من قبل الرومان وتحويلهم إلى المسيحية قسراً من قبل قسطنطين والذي أمر بقتل كل من لا يُدين بالمسيحية في الأراضي الرومانية جميعها, وكذلك بحرق كافة المكتبات وكُل الكُتب الفلسفية والدينية الغير مسيحية (مصدر8 ومصادر أخرى) وبالتالي فأن مخطوطات نجع حمادي والتي تم تصنيفها خطأً بأنها تعود لبدايات المسيحية والتي يُسمونها الفرق الغنوصية المسيحية, هي بالحقيقة تحمل الفلسفة المندائية. وحيثُ أننا قد نشرنا في مقالة مملكة ميسان وآثار الحضارة المندائية (مصدر9) مُقارنة بين إحدى تلك المخطوطات وهي مخطوطة اللؤلؤة (وهي ضمن النصوص التي تمت تسميتها بمزامير توماس), وبين فلسفة الكنزا ربا اليسار وحيثُ أظهرت المُقارنة تطابق بالمعاني والفلسفة ورُغم أنَّ المُقارنة كانت بين النصوص المُترجمة وليس الأصلية.
الآن لدينا نص آخر من مخطوطات نجع حمادي المصرية, وهذا النص أسموه الرعد: العقل المثالي (مصدر1&2) وقد أسماه السواح بمتناقضات عشتار في كتابه لُغز عشتار (مصدر10), ولهذا النَّصْ نجد صدى في إحدى روايات الكنزا ربا وهي رواية دنانوخت (البوثة الأصلية مع الصور المُرفقة1)
”وأتت إيواث الروهةُ المُقدّسة (زيفاً) ووقفت أمامي وقالت لي:
لماذا أنت نائم يا دنانوخت؟ (إدريس\هرمس)
ولماذا تهنأ بالنوم؟
أنا هي الحياةُ التي كانت مُنذُ الأَزل.
أنا هي الكُشطا (الحق\العهد) التي كانت قبل كُل شيء.
أنا هي الضوءُ وأنا النور.
أنا هي الموتُ وأنا الحياة.
أنا هي الظلامُ وأنا النور.
أنا هي الطيشُ وأنا الثبات.
أنا هي الدمارُ وأنا البناء.
أنا هي الدَنَسُ وأنا التطهير.” من كنزا ربا الشيخ بهرام خفاجي ودُراجي, اليمين ص185
أنَّ هذه المُتناقضات التي تَحدَّثت بها الروهة إيواث في الكنزا ربا مع دنانوخت, نجدها في قصيدة شعرية كبيرة وجميلة في نصْ الرعد: العقل المثالي, ولأنه طويل ويحتوي تفاصيل كثيرة فقد أقتطفت منه بعض المقاطع والتي كانت قد تُرجِمَت إلى الإنكليزية من قبل James M. Robinsson, The Nag Hammadi Library والنص الإنكليزي مُرفق في (مصدر1)
أنا هي الأولى وأنا الأخيرة.
أنا هي المُكرّمةُ وأنا المُحتَقَرة.
أنا هي العاهرةُ وأنا المُقدّسة.
أنا هي الزوجةُ وأنا العذراء.
أنا هي الأمُ وأنا الإبنة.
أنا هي أطراف أمي.
أنا هي العاقرُ وكثيرٌ هُم أبنائي.
أنا هي التي كان عُرسُها عظيماً وأنا لم أتخذ زوجاً.
أنا هي القابِلةُ وأنا التي لاتَحمل.
أنا هي الراحةُ لآلام مخاضي.
أنا هي العروسُ وأنا العريس، وزوجي هو الذي ولدني.
أنا هي أمُ أبي، وأنا أختُ زوجي، وهو ذُريتي.
أنا عبدةُ للذي أستعدَّ لي.
أنا حاكمةُ ذُريتي.
……
أنا هي المعرفةُ وأنا الجهل.
أنا هي الخَجلُ وأنا الجُرأة.
أنا هي الوقحةُ وأنا الخجولة.
أنا هي القوّةُ وأنا الخوف.
أنا هي الحربُ وأنا السلام.
أنا هي المُحتقرةُ وأنا العظيمة.
أنا هي العطفُ وأنا القسوة.
أنا هي التي كانت مكروهة من الجميع والتي كانت محبوبة من الجميع.
أنا هي التي يدعونني الحياة وأنا التي يدعونني الموت.
أنا هي التي يدعونني القانون وأنا هي الفوضى.
أنا هي المُلحدةُ والتي إلهُها عظيمٌ.
أنا هي الغريبةُ وأنا أبنةُ البلد.
أنا هي المُلتزمةُ وأنا المُنحطّة.
أنا هي التي في الأسفل وهُم صَعِدوا عالياً لي.
أنا بدون خطيئة وقمّةُ الخطايا تنبُعُ مني.
ومن مُقارنة النَصّين (المقارنة مع الصور المُرفقة3) ورُغم أنهما مترجمين عن الآرامية, ولكننا نجد تطابق لا يقبل الشك وبأن المقطع في الكنزا ربا كان يُحاكي هذه الصفات التي كانت تُطلقها الآلهة الأنثى على نفسها, وأنّ هذا التطابق بين نصْ الكنزا ربا وقصيدة عشتار البابلية, يقود إلى أستنتاج آخر لايقبل الشك بتأكيد الأصول الرافدينية العريقة للمندائيين, وكما بينا ذلك في العديد من المقالات السابقة (مصدر6,9,13,14)
أنّ الآلهة المؤنثة الرافدينية هي التي كان قد أسماها السومريون إنانا (5000 ق.م) وبعد ذلك أصبح أسمُها عشتار عند البابليين (1900 ق.م) وسُمّيَت بنجمة الصباح والمساء وأرتبطت بكوكب الزُهرة ويرمز لها بالنجمة ذات الثمان رؤوس, وبعد ذلك عَبَدها الإغريق وأسموها إفروديت والرومان أسموها فينوس والعرب أسموها عثتر, وكان مركز عبادتها في مدينة الوركاء في جنوب العراق (مصدر11) وهي نفسُها آلهة الحُب والحرب ولهذا فهي الحياة وهي الموت, وقد كانت عبادتها تجري عبر تشريعات كثيرة, منها ما يُسمى بالبغاء المُقدّس وهو أن تذهب جَميع العذارى عند البلوغ إلى المعبد وتنتظر هناك أن يأتي أي رجُل غريب ليُمارس معها الجنس وذلك بأن يختارها دون سواها برمي قطعة فُضية لها, وبعد أن تذهب معه تكون قد أوفت بنذرها للآلهة عشتار وعندها تُصبح هذه المرأة مُقدسّة ومُحترمة وتعود لبيتها وتنتظر عريس ليأتي لها وتصبح مخلصة له!
ومن هُنا وَضَعت المندائية هذه القيود الكثيرة على فَحص العُذرية قبل الزواج ويُسمى بالبهارة, ولأنهم لا يُريدون لبناتهم أن يكُنَّ ممن مارسن البغاء المُقدّس (مصدر12) فهؤلاء النسوة اللّواتي يتخلينَ عن بكارتهن قبل الزواج هُن من أتباع الروهة, ولأن ختم الروهة قد جرى عليهُن بفض عذريتهن لإرضائها, ولأن بكارة العذراء هي رمز شرفها والذي هو أغلى ما تملكه, ولكنها قدمته إلى عشتار لترضيتها. ونفس الشيء يجري على الرجال الذين يختتنون ولأن الختان الإختياري (وليس القسري) هو ختم ديني وبالتالي فلا يُعتَبرونَ مندائيين بعدها, وأمّا المندائيون فهُم يرتسمون بالماء الجاري والذي لا يُقدّر الإنسان قيمته لأنه غير مرئي في عالمنا هذا, ولكن هذا الوسم هو وسم الحيّ وهو المُميز للمندائيين في المُطهرات التي تأتي بعد الموت.
”مَن وُسِمَ بوسم الحيّ، وذُكِرَ عليه أسمُ ملكِ النور وثَبَتَ وتقوّمَ بصباغته، وعَمَلَ الأعمال الصالحة الحَسنة فلن يُقطع عليه الطريق في يوم الحساب” من كنزا ربا الشيخ بهرام خفاجي ودُراجي، اليمين ص٧ (البوثة الأصلية مع الصور المُرفقة2)
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1. The Paganism Reader, Chas S. Clifton and Graham Harvey, P34
3. مقالة: علماء يكتشفون وجود 5 مخطوطات مزيفة في أمريكا.. والمتحف يعترف, وكالة انباء الرأي العام
4. مقالة: الصهيونية ومحاولات اغتيال التاريخ الفلسطيني، عبد الله الحسن
5. Museum of the Bible pulls Dead Sea Scroll fragments found to be forged, Yonat Shimron
6. مقالة: الناصورائيون الكلدان النبط الأحناف, سنان سامي الجادر
7 كتاب الملل والنحل, الشهرستاني ص258
8 كتاب: في بعث الأمة المصرية, حافظ عثمان
9. مقالة: مملكة ميسان وآثار الحضارة المندائية, الجزء الثالث, سنان سامي الجادر
10 كتاب لُغز عشتار الألوهة المؤنثة وأصل الدين الأسطورة, فراس السواح ص7
11 مقالة: من يكشف لُغز عشتار, حسب الله يحيى
12. مقالة: هل عرف العراقيون القدماء البغاء المقدس, محمد شعبان
13 مقالة: قُرب بابل كانت أورشلام, سنان سامي الجادر
14 مقالة: فيثاغورس ومُعلمه الناصورائي الساحر, سنان سامي الجادر