المَسيح الذي تعَلّم من الناصورائيَة
كنتُ في زيارة الى متحف آيا صوفيا, في أسطنبول منذ أشهر قليلة, وهذا المتحف الذي بُنيَ عام 537 ميلادية وكان من أكبر الكاتدرائيات في العالم لمدة 916 سنة وكانت هذه الكاتدرائية نفسها قد أقيمت على أنقاض كنيسة بيزنطية قديمة (الامبراطورية الرومانية الشرقية), وبعد أحتلال القسطنطينة من قبل الاتراك تحولت الكاتدرائية الى جامع لمدة 481 سنة ومن ثم تحولت الى متحف عام 1935.
استوقفتني لوحة موزائيك كبيرة من القرن الثالث عشر لعيسى المسيح مع يحيى يوهانا ومريم العذراء. تُبيّن الصورة بأن النبي يحيى هو شيخ زاهد وكبير السن مقارنة مع النبي عيسى الذي هو شاب ويرتدي ملابس الملوك والترف, وهذا يتفق مع التراث المندائي الذي يقول بأن يحيى يوهانا قد ولد قبل الميلاد بأكثر من ثلاثة عقود, وليس كما يقول التراث المسيحي واليهودي بأنه ولد قبل المسيح بسنوات قليلة. وفي نفس المكان يوجد حوض التعميد الذي كان الناس يتعمدون فيه بالماء!
تقول الليدي دراور في كتابها الصابئة المندائيون [1], بأن بحوثها في المراجع المندائية تُبيّن عنهم بأن عيسى المسيح هو ناصورائي قد أنشق عن المندائية وقام بتغيير الطقوس والتعاليم التي تَعلَمها لتتناسب مع توجهات الناس في عصره. وهذا الطرح لم تستقيه فقط من مخطوطة حران كويثا المندائية والتي تقول هذا.
إن عملية تحريف وتحوير التعاليم والطقوس الدينية المسيحية لم تكن عشوائية قط, وهي تتماشى مع عمليات تزوير وتحريف التأريخ والتي تقودها المنظمات اليهودية عبر الأزمان لربط كافة الاديان بها والسيطرة عليها.
ولو تأملنا لبرهة بكون عيسى المسيح, هو نفسه كان أحد تلاميذ يحيى يوهانا وأصطبغ على يديه, وحتى عَلَم يحيى (الدرافشا) أخذه منه وبعد ذلك أسموه الصليب وقالوا بأنه رمز صلبه وليس عَلَمَه (وتوجد أقليات مسيحية في أثيوبيا وغيرها من الدول المسيحية القديمة لاتزال تعتمد الصليب المغطى بالقماش والذي يشبه الدرافشا كثيراً), هذا فضلاً عن كونه أبن خالته!
ليس التراث المسيحي وحده من قام اليهود بتحريفه وربطه برواياتهم المؤلفة والمسروقة من الأدب السومري والذي أسموه كتاب العهد القديم [2], بل وحتى الآثار والتعاليم المندائية هم ينسبونها لهم, آخرها مخطوطات البحر الميت والتي لم يستطيعوا حجب جميع محتوياتها عن الباحثين, وعندما أفتضح أنها لاتشبه تعاليمهم (لأنهم كانوا يُعمّدون أنفسهم يوميًا في الماء ويقدسون أسماء الملائكة في كتاباتهم المقدسة ويكتبون على الواح البردي) [3] قالوا بأنها لطائفة يهودية تدعى الأسينيين بينما يشكك الباحثون بهذا الإدعاء.
إن النهوض بالدين المندائي يحتاج إلى, دعم حقيقي للباحثين المندائيين ليُخرِجوا الدين المندائي من عباءة الكتاب والمفكرين الغربيين, والذين تلتقي أو تختلف توجهاتهم مع الدين المندائي بحسب إنتماءاتهم, وهذه بعض الأدعاءات حول الدين المندائي
١- يحاول بعضهم بتشبيه التعاليم المندائية بالتعاليم الزردشتية (وإن كانت الليدي دراور تُبيّن بأن التعاليم المندائية أقدم) [1]
٢- البعض ينفي الوجود المندائي في بلاد مابين النهرين قبل السبي البابلي, بمعنى أن المندائيين قد قدموا مع اليهود إلى بابل, وهذا الإدعاء تم نفيه من قبل البروفيسور بركيت (BURKITT كتاب الصابئة المندائيون صفحة ٤٣)[1] والذي بيّن بأن اللغة المندائية التي كتبت بها الكتب المقدسة هي لغة آرامية شرقية ونقية من الشوائب الغربية, (وعلى عكس اللغة العبرية التوراتية المتأثرة كثيراً باليونانية) وهذا يعني بأن المندائية لم تكن تقتصر على أورشليم, وإنما كان ثقلها الذي أستمدت منه لغتها وعلمها وثقافتها هو في بلاد مابين النهرين.
٣- ليست المسيحية لوحدها التي خرجت من المندائية, وإنما حتى المانوية [4] التي أجتاحت مناطق واسعة في القرن الثالث الميلادي ووصلت الى مصر والصين والهند وروسيا وتركستان ونافست المسيحية والزردشتية ولهذا تم قتل نبيها ماني والتنكيل بأتباعه, وإن كان تأثيرها قد بقي وكان واضحا في الأديان السائدة الأخرى, وهم لايقولون بأن ماني كان مندائياً وأنشق عنهم وإنما هم يقولون بأنه أعتنق المندائية أو الغنوصية عندما كان طفلاً.
لقراءة الجزء الثاني من هذه المقالة أذهب للرابط أدناه
تحياتي سنان الجادر
المصادر
1.
2.
3.
4.