المطرقة والسندان إسرائيل وإيران
عند البحث في النصوص المندائيّة نجد بأن اليهود كانوا من البدو الرحّل ولم يكن لهم موطن ثابت, وإنما يتنقلون بين عدة مدن بسبب المؤامرات الدينيّة التي كانوا يحيكونها على الشعوب الموجودة فكانوا يهاجمونهم ويطردونهم من تلك المدن. وإحدى تلك المدن الأربعة الرئيسيّة التي سكنوها كانت في بلاد الرافدين. وجميع تلك المدن التي كانوا يعبدون بها إلاههم أدوناي إله الشمس كانت تسمى أورشلام (مصدر1).
“ومن الناصرة مدينة اليهود التي تُسمى مدينة قُم.
والتي بداخلها مقام نبو الذي كوّن مجموعته في قُم (نبو هو كوكب عطارد يرسل أنبياء الكذب).” من ديوان حرّان كويثا
وحسب النصوص المندائيّة فأنهم كانوا قد أتوا من بلاد فارس كغزاة لبلاد الرافدين, وهذا ما مذكور في ديوان حران كويثا.
ملاحظة: (أن هذا الديوان الصغير المسمى حران كويثا هو تاريخي وليس ديني بمعنى أن لاقدسيّة له, وهو جَدَلي وغير موثوق بمصدره, ولأن لا توجد نُسخة أصلية منه لدى المندائيين, وأنَّ الذي جلب النسخة الوحيدة المنقوصة البداية هُم المُستشرقون في القرن العشرين, وقالوا بأنه كان ملحقاً مع أحد أجزاء كتاب الترسّر أليف شياله من القرن 17 (مصدر2))
وتوجد مصادر تاريخيّة توثّق بأن اليهود كانوا هم الذين ساعدوا الفرس في أحتلال بلاد الرافدين وتدمير حضارتها في القرن السادس ق.م, عبر أقناع المجتمع البابلي بعدم المقاومة, لأن قورش هو المسيح المنتظر وكذلك فتحوا بوابات المدن لهم, وهذا طبعاً بسبب أصولهم الفارسيّة المشتركة.
ومباشرة في ذروة ثورة شباب العراق في 2019 أصدرت إسرائيل عُملة فيها صورة قورش مع ترامب بحجة نقله السفارة الأميركيّة للقدس, ولكنها كانت لتثمين قصّة سماح قورش لليهود الذين كانوا في بابل بالذهاب إلى فلسطين والتي يعتبرونها أيضاً من مدنهم التاريخيّة, وحتى يوجد لديهم شارع هناك باسم قورش. وهذا كان طبعاً تطمين لإيران بأن إسرائيل لن تسمح بقيام حكومة وطنيّة في العراق, وسوف تُبقي على حكومات الميليشيات الفارسيّة باستخدام سيطرتها السياسيّة الكاملة على الولايات المتحدة التي لا تزال تحتل العراق, وتمتلك القواعد والجيوش فيه. ولهذا فقد تمّ سحق تلك الثورة بوحشيّة وقُتل شبابها بتواطؤ أميركي ومساعدة تقنيّة وإعلامية عالمية منهم.
وفي العصر الحديث كان الحليفان المقرّبان إسرائيل وإيران (مصدر3,4) يلعبان دور القط والفأر بتناغم كبير, وخلال تلك اللّعبة يجري تَدمير المنطقة التي هما بها, ويستحوذان على المصادر ويسيطران على الحكم في تلك الدول, وكل واحد منهما يُعطي الآخر الحجة برد الفعل. فإيران كانت قد احتلت كثير من الدول العربيّة بحجّة تدمير إسرائيل وحاربت باقي الدول العربية وأضعفتها. ومن جهة أخرى كانت مصانع السلاح التي تمتلكها العوائل الصهيونيّة في أميركا تبيع السلاح للدول العربيّة الأخرى, وجعلتها ترتمي في حضن إسرائيل لكي تحمي نفسها من إيران. ومن حين لآخر وبمساعدة أميركيّة يجري قصف ورعد وهمي بين الطرفين لتثبيت اللّعبة والاستمرار بخداع الدول الأخرى. وخاصّة الدول ذات أنظمة الحكم الضعيفة, وهي التي يكون فيها أصحاب القرار النهائي معروفين وليست لديها مؤسسة حكم عميقة مخفيّة, ولا تمتلك مؤسسات بحثيّة سياسيّة رصينة فتكون سياستها نابعة من تصوّر حكامها المكشوفين وأتباعهم ضمن الدائرة الضيّقة.
ومَن يقول بأن تلك المجادلات الفارغة والحروب الكلاميّة بين الحليفين قد أضّرت بمصالح الشعب الإيراني نفسه وجوّعته, فهذا صحيح لأن ملالي إيران هم أكبر أعداء الشعب الإيراني الساعي للتحرر منهم. وكلاهما أعداء لشعوب المنطقة, فمثلاً إسرائيل تدمّر ميليشيات عربيّة تتبع لإيران عقائدياً في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين, بينما إيران تسارع بإرسال مزيد من السلاح والميليشيات للمنطقة وتقصف مباني فارغة لمنظمات إسرائيل في شمال العراق, وهذا أن ضرباتهم ليست بينهم وإنما هي تَمس طرف ثالث وهو الطرف العربي دائماً. ولا ننسى بأن كلا النظامين هما مُتطابقان بنظامهما الديني الفريد, فيلبسان رداء النبوّة ويستخدمانه بتمثيل بارع, حيث تخدع أحدهما طبقة الشعوب الغربيّة المؤمنة والأخرى العربيّة. وكلا الدولتين من صنيعة الصهيونيّة العالميّة لغرض أحتلال الشرق الأوسط الغني بالمصادر. حيث أنّ النظام الإيراني الديني السياسي كان قد وُلد في أروقة المُخابرات الصهيونيّة العالميّة في فرنسا, بدعم الدول الغربيّة التي كانت تسعى جاهدة للحط من نفوذ الشاه بعد أن بدأ بالمطالبة بمصالح شعبه.
أنّ تلك المؤامرات لن تتوقّف حتى يتم القضاء على آخر حكم وطني في الشرق الأوسط وأفريقيا .. واللّعبة مستمرّة.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1. مقالة: قُرب بابل …كانت أورشلام
2. كتاب: أصول الصابئة, عزيز سباهي ص133
3. مقالة, العلاقات بين إيران وإسرائيل.. تاريخ تحالف لم ينقطع, افتكار البنداري, العين الإخبارية
4. مقالة: (إسرائيل) و(إيران).. وجهان لعملة واحدة, أحمد أبو دقة, صحيفة البيان