الكُنية المندائيّة السومريّة “إكوما – أسوَد”
تتابعاً مع بحوثنا الخاصّة بكشف الأصول السومريّة للمندائيين والتي تعرّضت للطمس والإخفاء المُتعمّد, وحيث كُنّا قد بينّا في بحث سابق دلائل كبيرة على الأصول الرافدينيّة للمندائيين (مصدر1) وكذلك كشفنا أكاذيب نظريّة الأصول الغربيّة (اليهوديّة) للمندائيين (مصدر2), نعود اليوم لكي نُبيّن بأن إحدى العوائل المندائيّة العريقة لاتزال تحتفظ بكُنيتها السومريّة إلى اليوم.
لقد كان السومريون يُطلقون على أنفسهم كشعب كُنية ذوي الرؤوس السوداء ومفردها رأس أسوَد أو أسوَد , وهي تعني أنهم من سواد الناس هُناك أي أنهم أبناء البلد الأصليين وليسوا مهاجرين (مصدر3) ومن تلك التسميّة كان العراق يُسمّى بأرض السواد وبقي كذلك لغاية اليوم.
أنّ المُتتبّع للمخطوطات الدينيّة المندائيّة القديمة, سوف يجد في نهايتها قائمة طويلة من النُسّاخ الذين نسخوا تلك المخطوطات, وهُم يُذيلونها بقائمة من أنسابهم وسلالاتهم الدينيّة المُتوارثة التي تذهب بعيداً في الزمن ويختمونها باللّقب ومن ثُمّ بالكنيانة (الكُنية), وحيث أنّ اللّقب والذي هو في الغالب يعود إلى الصِفة التي تُطلق من قبل الشخص نفسه أو من غيره عليه وليس لها دلالة للأصول ولا للتاريخ فهي قابلة للتغيير, ولكنّ الكنيانة هي ذات دلالة عن الأصول ولاتتغيّر وهي أقدم وأهم بكثير من اللّقب والذي هو أحدث منها.
ولو عدنا إلى تلك المخطوطات مرّة أخرى فسوف نجد بأن واحدة من أقدم وأكبر سُلالات الشيوخ المندائيين كانوا يحملون كُنية “إكوما” وتعنى أسوَد الذي هو من أرض السواد, أي أنهم ينتمون إلى نفس الكُنية السومريّة والتي بقيت مُلاصقة لهم لآلاف السنين.
أنّ كلمة “إكوما” تعنى أسوَد بالمندائيّة وبجميع الآراميات الأخرى, وهي كلمة ذات معنى مُحدد ولا تقبل التأويل أو الأجتهاد في ترجمتها بصورة مُختلفة.
وأمّا مَن يقول بأن لدينا مندائيين آخرين لهم كُنية مُختلفة, فهذا لأننا أصبحنا طائفة والتي هي قطعة من شيء أكبر, وهذه الطائفة هي متكوّنة من مجموعة من الطوائف, وحيث أصبحنا أقليّة بعد أن كنّا أغلبيّة كبيرة ومنتشرة من جنوب بلاد الرافدين إلى شمالها في الرها وحرّان ومن غرب العراق إلى الأهواز وشوشتر, وكان المندائيون يتنقّلون بين مُعظم تلك المُدن عبر الملاحة في الأنهار وخاصّة بين شمال وجنوب نهر الفُرات المُقدّس لدى المندائيين, ولأن الأنهار كانت صالحة للملاحة وليس فيها سدود ولا جسور تُقطّعها وفيها فروع كثيرة.
وكان البابليون وأوائل الآشوريون في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد يتبعون الدين المندائي, كما يقول عالم الآشوريات هنري لايارد (1817-1894) في كتابه نينوى وبقاياها (مصدر4).
والنقود كانت تُكتب بالمندائيّة في مملكة ميسان في القرون القليلة السابقة واللاحقة للميلاد, بسبب الأغلبيّة المندائيّة هناك برغُم وجود المستعمرين السلوقيين -اليونانيون وبعدهم الفُرس (مصدر5).
أنّ السبب الذي أدى إلى إنحسار الدين المندائي في بلاد الرافدين هو الإحتلالات الخارجيّة ودخول الديانات التبشيريّة التي يكون للدين فيها أسباب هيمنة سياسيّة أيضاً ولهذا فهي ترفض التعددية الدينيّة, ولذلك فقد قاموا بتحويل السُكان إلى تلك الأديان بالترغيب والترهيب, وفي القرون الأخيرة تعرّض المندائيون إلى الإبادة في مدنهم التي أصبحت ضمن إيران ونتيجة لذلك فقد نَزَحَ المندائيون من مدنهم هناك نحو العراق بصورة كبيرة وبقيت قلّة قليلة. ولهذا فأن المندائيين كانوا سابقاً من عشائر وأصول مُختلفة ولكن يجمعهم دين واحد, ولم يكونوا عشيرة واحدة ولا أقارب ولا عوائل كما يدّعي البعض الآن, ومُحاولات إيجاد تقاطُعات بالأجداد بين العوائل غير صحيحة برُغم حُسن النيّة. وطبعاً هذا الموضوع كان منذ أزمان بعيدة, وبعده تصاهر المندائيون الباقون وأمتزجوا وأصبحوا عائلة واحدة, ولا توجد أي عائلة لم تتصاهر ولم تمتزج مع الآخرين, والآن الجميع هُم أعمام وأخوال لبعضهم البعض.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
- مقالة: بلاد الرافدين -أصل المندائيين (الجزء الأول), سنان سامي الجادر
- مقالة: بلاد الرافدين -أصل المندائيين (الجزء الثاني), سنان سامي الجادر
- مقالة: من هم السومريون؟ د. بهنام أبو الصوف
- كتاب: نينوى وبقاياها, هنري لايارد, لندن 1848, ص439-440
Nineveh and Its Remains Volume II,By Layard, Austen Henry, London (1848), P439-440
5. كتاب: أصول الصابئة المندائيين, عزيز سباهي ص182-183