الكائن اللّطيف مُحرّك الثورات!
مما لا شك فيه بأن جنس النساء هو صاحب التأثير الأكبر على المُجتمع مُنذ الأزل، وحيث أن الأنثى هي الأم التي تُنجب وتُربي الأطفال وتوجههم حسب قناعاتها, وهي التي تعتني بالعائلة بحكم العاطفة الكبيرة التي تمتلكها، وكذلك هي التي تُعطي الرجل الحُب وتُكمل له سعادته، وحتى أنها كانت تُشارك الرجُل وتعمل في الحقول وتعتني بالحيوانات, بينما كان الرجل مسؤول عن توفير الحماية وعن الصيد وصنع الأدوات وهذا كان مُنذ القِدم, ولهذه الأسباب وغيرها فكانت تجري عبادة الأنثى المقدّسة في شمال بلاد الرافدين منذ الألف السابع قبل الميلاد، وحيث يُبين كتاب نشأة النظام الأبوي للكاتبة جيردا ليرنر كيفية التحوّل من هيمنة الآلهة الأنثى في العبادة إلى الآلهة الذكر في بلاد الرافدين, وأنه كان قد بدأ بعد الحروب بين المُدن السومريّة في حدود الألف الثالث قبل الميلاد, والتي يكون تأثير الرجل فيها أكبر كحالة استثنائية, ومن تلك الحقبة انتقلت السيطرة الذكوريّة على المُجتمع إلى باقي العالم وبقيت لغاية الآن.
ولكن لو نعود إلى صفات النساء في عصرنا هذا فنجد بأنهن أقل فساداً من الرجال من الناحيتين الماديّة والعاطفية، ولهن العديد من نقاط القوّة والتأثير على جميع أفراد العائلة مما يجعل من الأنثى صاحبة تأثير كبير في العائلة, سواء كان محسوساً أم غير محسوس.
لقد انتبهت الديانات التبشيريّة لخطورة الأنثى على التأثير في العائلة وخاصة في المُجتمعات الشرقيّة، وحيث أن تلك الديانات كانت تسعى لوضع نظام سياسي يوحّد المُجتمعات المُختلفة ويسير جنباً إلى جنب مع العبادة والتي هي من اقرب النزعات إلى البشر، وصولاً إلى دولة عالميّة واحدة وذات دين واحد (مصدر1). ولكي لا يتم تهديد هذه الدولة الدينيّة من قبل الأنثى صاحبة التأثير ومُحرّكة الثورات، فقد وَضَعت جميع الأنظمة السياسيّة والمجتمعية القائمة على هذه الديانات, شروط ومُحددات مُغلّفة بهالة مُقدّسة لكي تُكبل بها النساء وتُحجّم دورهن السياسي وحتى المُجتمعي داخل العائلة، ولو ذهبنا إلى الكتب المُقدّسة لتلك الديانات فلن نجد بها أشارات تُعطي الحق بالتعسّف تجاه النساء, ولكن المُستفيدين من السيطرة السياسيّة لتلك الأنظمة الدينيّة هُم الذين كانوا يفسرون بهذا الاتجاه. وكمثال على هذا الاضطهاد فكان يجري في أوروبا في العصور الوسطى حرق أي امرأة يتم اتهامها بالسحر، فكان جمال المرأة سبباً لأتهامها بالسحر أو وجود وحمة أو شامة في جسدها, وكذلك تجمّع مجموعة من النساء سوية يوم السبت كان يعني بأنهن ساحرات, وكانوا يقولون بأن المرأة التي تُجادل وتُفكر هي ممسوسة وساحرة, وتمّ حرق عشرات الآلاف من النساء في تلك العصور في أوروبا (مصدر2 ) وطبعاً فأنه كان يكفي حرق امرأة واحدة بصورة علنية في قرية أو مدينة لترويع جميع النساء هناك. أن جميع تلك الجرائم كان يجري تبريرها حسب النص الخاص بسفر الخروج من العهد القديم “لا تدع ساحرة تعيش” (خر 22: 18) ولهذا فلم تكن محاكم التفتيش الكاثوليكية تُلاحق السَحرة الرجال بهذه القسوة وإنما النساء فقط, وذلك لأن النص كان حول النساء فقط كما فسروه! ولم تتقدم أوروبا إلا بعد أن تقدمَّت مكانة المرأة فيها ولغاية القرن العشرين.
ولو عدنا إلى القرآن فلن نجد نصّاً يُجبر النساء على أرتداء الحجاب, وحتى بأن الأزهر كان قد أفتى مؤخراً بكون الحجاب ليس فرضاً في الإسلام وإنما هو عادة, ولكن بأسم الحجاب كان ولا يزال يتم وضع القيود على النساء في العديد من الدول الأسلاميّة, وطبعاً فأن لباس المرأة ليس هو السبب لهذا الإجبار وإنما الغاية من وراء ذلك هو تدجين النساء هناك وأعلامهن بأنهن أقل مرتبة من الرجال, فلا يجرؤن بعد ذلك على المطالبة بالمساواة في الحقوق وخاصة للدخول في السياسيّة.
ولاحقاً تتوسع هذه القائمة من قبل الأصوليين في حالة حصولهم على نفوذ سياسي لتشمل اضطهاد حتى الرجال الذين لا تكون لهم هيئة تدل على التزامهم الديني, وذلك أيضاً لغرض استبعادهم من المنافسة السياسية, لكونهم يحملون أفكار مختلفة.
وحيث أن هذا الموضوع له جذور تاريخيّة في حضارات بلاد الرافدين, وهي تتمثل بكون المرأة الحُرّة أو المُتزوّجة كانت تتميز عن الأمَة والزانيّة بأنها تضع غطاء على رأسها, بينما تبقى الأمَة حاسرة الرأس (مصدر3, المادة 40 من القانون الآشوري), وكذلك فكان الرجال العبيد يتم حلاقة شعورهم ولحاهم تمييزاً لمكانتهم الإجتماعية المتدنيّة.
أنّ عملية وضع العلامات المؤقتة مثل وضع غطاء الرأس للنساء أو حلاقة اللحى والشعر أو وضع الوشوم الدائمة بأنواعها هي كانت لغرض أعلان مُلكية واضعيها وتبعيتهم لمن أجبرهم عليها, وكما يجري وَسم المواشي بعلامة صاحبها.
وحيث أن عقلية الرجل الشرقي بصورة خاصة مُبرمجة على حماية النساء بشكل مُطلق وعدم الاكتراث بالعواقب مهما كانت, فلو خَرجت امرأة في صراع أو مُطالبة سياسيّة أو غيرها فسوف نجد بأن جميع الذكور من أفراد عائلتها سوف يهبّون فوراً للدفاع عنها, بل وربما حتى جيرانها أو من الذين لا يعرفونها ولكن تأخذهم الحميّة للدفاع عنها. وجميعنا قرأنا قصّة وامعتصماه والتي صَرخت بها امرأة أسيرة طالبة النجدة فوصلت إلى الخليفة العباسي المُعتصم بالله, فأجابها على الفور وتسببت بحرب كبيرة انتهت بخسارة الدولة البيزنطية (مصدر4).
مُنذ الاحتلال الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣ بدأت عمليات تهديد النساء بالخطف والاغتصاب وفرض القيود الدينيّة والتشهير، وذلك لكي تستطيع الميليشيات التي دَربتها الدول المُحتلّة للعراق من الصمود والبقاء وتركيع المُجتمع العراقي المُتفتّح، فبدأت عمليات إهانة النساء عبر تسهيل زواج القاصرات ونشر ثقافة الفساد عبر الزواجات الشكليّة والمؤقتة وبدون أعطاء أي حقوق أو أي التزام، وبنفس الوقت فكان يجري جلب نماذج سيئة من نساء مُتخلفات أو مجرمات من أتباع الميليشيات, لتمثيل النساء سياسياً وإعلامياً ولكي يجعلوا منهن القدوة! وذلك للحَطْ من كرامة المرأة والتقليل من أحترامها المُجتمعي وحتى تأثيرها داخل عائلتها, وحيث أنّ خطورة النساء على قلب موازين القوى السياسية هو كبير ليس فقط في العراق وإنما في كثير من المُجتمعات.
ورُبما كان الحل لصلاح المُجتمعات الشرقيّة التي يَنخُر فيها الفساد والتخلّف هو دَعم دور المرأة في المُجتمع, ولكي تكون قادرة على أخذ فُرصة حقيقيّة في القيادة, بصورة مُباشرة سياسياً ومؤسساتياً، ولن يكون هذا الموضوع ممكناً إلا في حالة أعادة الهيبة والإحترام للنساء بتغليب القوانين المدنيّة على الدينيّة, وتعليمها ثقافة الشجاعة وعدم الخوف من مشاركة الرجال في كل الأصعدة, وكذلك وضع عقوبات رادعة للذين يعتدون على النساء, وتسهيل دخولها للعمل في القطاع التجاري وصولاً لأشراكها في جميع المؤسسات العامة بنظام الكوتا. ولو كانت المرأة موجودة في جميع الأماكن مع الرجل فإن صورتها النمطيّة في المجتمعات المُتخلفة, بكونها عورة سوف تختفي وسوف تتحضّر تلك المُجتمعات.
وعلى المرأة الشرقية أن لا يكون هدفها هو فقط جمالها وحريّة لباسها, وإنما أن يكون صراعها في سبيل إظهار جمالها الكامن بقوّة عقلها وشجاعتها وحكمتها, وليس مفاتنها والتي هي نقطة ضُعف تُستخدم ضدها, وبهذا تُثبّت مكانتها في المُجتمع وتنهض به.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1 . مقالة: الأستعمال السياسي للأديان التبشيريّة، سنان سامي الجادر
2. مقالة: نساء فى محارق الكنيسة .. قصص حرق الساحرات فى العصور الوسطى، بسمة مصطفى موقع دوت مصر
3. بحث: جوانب من مكانة المرأة في مجتمع بلاد النهرين، قيس حاتم هاني الجنابي جامعة بابل
4. مقالة: “وامعتصماه” صرخة دكت حصون “عمورية”.. تعرف على قصة فتحها في رمضان، أحمد البراهيم – الرياض