الفلسفة المندائيّة واحترام الطبيعة

* “ثم أولئك الذين يذهبون للصيد ويأكلون لحوم الطرائد والقتل, فأن نشماثاتهم سوف تعذّب بالسيف والحربة” الكنزا ربا

ربما يبدو موضوع تحريم لحوم الطرائد في النصوص المندائيّة غريباً بعض الشيء, وخاصّة بأن الفكرة عن الزمن القديم بأن أحد مصادر غذائهم الرئيسيّة كان من الصيد. ولكن هذا الموضوع هو غير ذلك بالنسبة للمندائيين الذين يمثلون استمراراً لحضارات بلاد الرافدين في سومر وبابل وآشور, ولأنهم كانوا قد عرَفوا المدنيّة منذ آلاف السنين وتمدّنوا وأصبح غذائهم يأتي من زرعهم ومن حيواناتهم الداجنة ولهذا فقد اسموهم النبط, وهؤلاء هم الذين يأكلون مما يزرعون فقط. ونعرف بأن أنباط العراق كان منهم الصابئة, كما ذكر ذلك العديد من المؤرخين المسلمين ومنهم ابن النديم الذي ذكر بأن من النبط كان هنالك الصابئة. (1)

ولهذا فأصبحت لهم محددات وأولويات أخرى تتعدى الرغبة بالحصول على الغذاء من جميع المصادر, وإنما تتعلّق باحترام وتوقير الناموس الإلهي والذي أودعه الخالق الكريم في الطبيعة وفي المخلوقات الحرّة التي تعيش فيها. ولهذا فقد دخلت تلك التعاليم ضمن النصوص الدينيّة المندائيّة.

* “لا تأكلوا الدَّمَ, ولا المَيْتَ, ولا المشوَّهَ, ولا الحاملَ, ولا المرضعةَ, ولا التي أجهضتْ, ولا الجارحَ, ولا الكاسرَ, ولا الَّذي هاجَمهُ حيوانٌ مفترس. وإذا ذَبحتُم فاذبَحوا بسكّينٍ من حديد. أطمُشوا, واغسِلوا, وطَهِّروا, واطبُخوا, وسَمُّوا, ثمَّ كُلُوا.” الكنزا ربا اليمين طبعة بغداد

وبالنسبة للمندائي الذي يريد أن يتناول من الحيوانات المسموح أكلها, فعليه أن يكون متأكداً من أنها أتت له بطريقة صحيحة وحسب الشريعة والقوانين الإلهيّة التي يتّبعها. وهذه تعتمد على أن يكون الحيوان مُحللاً وقد تمّ نحره بواسطة أحد أتباع السلك الديني, وأن يكون هنالك شاهد آخر من السلك الديني قد شَهد على صحّة عملية الذبح تلك. وأمّا الحيوانات البريّة التي ترعى في أرض الله فهي محرّمة, وهذا لا يشمل الأسماك التي تُعتبر من ثمار البحر ويُحلل أكلها.

* “أنتم أيها المُختارون الصالحون:

كلوا من الثمار والمخلوقات التي صنعها بثاهيل لآدم أبنه,

ومن الفواكه والكروم والأشجار والطيور والحيوانات الأليفة والأسماك في البحار.

كلوا منها وأعطوا الزدقا..

ولا يجب على آدم وسلالته بأن يشعروا بالحزن في هذا العالم بسبب أكل الثمار والأعناب والأشجار والطيور وأسماك البحار والحيوانات الأليفة” الكنزا ربا

ونلاحظ من النص أعلاه التأكيد على كون المُحلل هو من الحيوانات الأليفة الداجنة وليس البريّة الحرّة. فمن قراءة نصوص في دواوين أخرى نجد بأن لبعض تلك الحيوانات والطيور تأثيرات روحيّة سلبيّة وإيجابيّة, وحتى أنّ البعض منها يُخيف مخلوقات الظلام والبعض الآخر يُساعدها. فليس هنالك مخلوق ليس له دور في هذه الأرض. وأنّ الخالق الكريم الذي خلق جميع تلك المخلوقات هو وحده يعرف الغاية منها. ولهذا فلا يجب على الإنسان أن يتجاوز على الخليقة والمخلوقات التي لم تكن مُخصصة له.

ومن جانب آخر فأن النص السابق يؤكد للمندائيين المُحبين للطبيعة وللحيوانات للدرجة التي يُصبحون معها نباتيين فيتوقفون عن تناول اللّحوم, بأن اللّحوم من الحيوانات الداجنة هي مُحللّة وهي كانت قد خُلقت خصيصاً لكي يتناولها الإنسان.

الترميذا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

1. الفهرست, ابو الفرج المعروف بالوراق ابن النديم, تحقيق رضا تجدّد, ص404

من mandaean