العزوبيّة ليست من المندائيّة.
* “أُنظروا الأشجار القائمة على ضِفّة الفُرات العظيم, وهيَ تَشربُ الماء وتُثمر الثِمار ولا تَموت.
أُنظروا النَهر الجاف الذي جَفّت مياهه, فيَبِست وماتت الأشجار التي على ضِفافه.
هكذا ستَتَيبّس وتَموت نشماثا العُزّاب والعازِبات, الرِجال الذينَ لا يُريدون النِساء, والنِساء اللواتي لا يُردنَ الرِجال.
…
ثُمّ نُناديكم ونوضّح لكم :
في العالم الذين أنتم موجودون به, أعملوا أعراساً لأبنائكم الذكور ولبناتكُم الإناث أيضاً (زوّجوهم). وآمنوا بربّكُم ملك النور السامي, ولأن هذا العالم يَنتهي ويَزول.” الكنزا ربا اليمين
أنّ هذه التعاليم التي كانت منذ آلاف السنين لا تزال حيّة وذات قيمة عالية, ولأنّ المندائيّة هي دين الخصب ومحبّة الحياة, التي تَرفُض الزهد في الزواج والعزوبيّة. حتى أنها تَجعل المسؤوليّة على الأهل بمساعدة أبنائهم وبناتهم في الزواج, والذي تربطه بالإيمان بملك النور السامي. وبمعنى أنها تكون لغرض أستمراريّة الشريعة.
مما لا شكّ فيه بأن هنالك مخاطر كبيرة تُحيط بالمندائيّة وبإمكانية استمرارها خلال العقود القليلة القادمة. وذلك بسبب تغيّر الحاضنة الأم إلى بلدان جديدة ذات قوانين وشرائع مُختلفة كليّاً, وأخطر ما في هذه الشرائع هي أنها تقطع أواصر الترابط الأسري والاجتماعي, لتُزيد بدلاً عنه الإنتاجيّة والاستهلاكية الفرديّة.
ويقضي الأبناء ساعات يومهم الطويلة في المدارس التي تُعلّمهم كيفيّة تَقديس الحُريّة الشخصيّة والمصلحة الفرديّة لدرجة الأنانيّة, أمّا أخطر ما يعلمونهم إياه فهو إلغاء سُلطة العائلة وخاصّة دور الآباء. وكذلك تُعلّمهم الابتعاد عن ثقافاتهم الأصليّة والتمسّك بالثقافة الغربيّة التي استمدت شرائعها من الإنجيل, الذي كان هو المصدر الرئيسي لكتابة الدساتير الغربيّة والأوروبيّة.
وعلى سبيل المثال أخذ البعض من الشباب المندائيين, يَعزفون عن الزواج ولغاية سن متأخرة وذلك بسبب توفّر العلاقات الخارجيّة من دون الالتزام, ومن دون الحاجة للكلفة العالية بسبب العادات الدخيلة بحفلات البذخ والتبذير خلال الزواج, وكما يفعل غالبيّة الشباب الغَربي. وكذلك فقد بدأ عدد آخر برفض الارتباط من أبناء وبنات العم والخال. بسبب تحريمه في الشريعة الغربيّة, التي كانت موجودة قبل المسيحيّة لدى اليونان والرومان وادخلوها في تعاليمهم الدينيّة بعد ذلك. ولكنها مسموحة بل ومُفضّلة في شريعتنا الشرقيّة وفي ديننا المندائي, وخاصّة مع تشرذم المندائيين على دول العالم الكثيرة, فلم يَتَبق لهم الكثير من المعارف والأصدقاء المندائيين إلا معرفة الأقارب المُقرّبين.
أن كروبات الزواج التي تُحاول أن تقوم بمهام تعريفيّة للشباب المندائيين, هي رُبما لها تأثير طفيف لحل هذه المشكلة, بسبب عاداتنا وثقافتنا غير المُعتادة على هذه الطريقة, والتي لا تخلو من المخاطر بعدم جديّة بعض الموجودين في تلك المجموعات.
للأسف ليست لدينا مؤسسة حقيقيّة تستطيع تقديم الحلول الناجحة لهذه المُشكلة, التي تُهدد بخروج الأبناء والبنات وارتباطهم من خارج المندائيّة. وبالتأكيد فأن توعية الأهل هي عامل رئيسي في هذا الموضوع, ولكن الذي نراه هو أن بعض الأهل هُم نفسهم يحتاجون للتوعية من قبل رجال الدين والمثقفين المندائيين, رُغم أنهم يتحاشون هذه المواضيع لحساسيتها.
أن عدم أبراز مشاكل العزوبيّة وتناقص عدد المندائيين, هو تَهديد حقيقي لوجودنا.
وهذا ناقوس الخطر يَدُق.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ