الضّعيف.. أمانة الأقوياء والمُتّقين
لقد نشأت المُجتمعات الأولى للبشريّة بفكرة واحدة, وهي المُساعدة والتكاتف وتغليب المصلحة المُشتَرَكَة للتغلّب على الظروف الصعبة, وتطوّر هذا الموضوع لاحقاً ليكون سبباً لنشوء الممالك والإمبراطوريات الكبيرة.
ولكن لو بحثنا فيه فسوف نجد بأن جميع الأشخاص يَتعرّضون في مرحلة معينة إلى ضُعف بسبب داخلي أو خارجي, وعندها يأتي دور المُجتمع الذي يقوم بأبداء المُساعدة, فتكون مثل الدَين لهذا الشخص والذي هو بدوره سوف يأتيه وقت لاحق ويُبادر إلى مُساعدة غيره.
لقد كان رئيس القبيلة أو رئيس المجموعة هو الحافظ للتعاليم وللشرائع التي تُنظّم المُساعدة بين أفراد مجموعته, ولاحقاً مع ظهور الديانات دَخَلت هذه الشرائع كنصوص دينيّة ولكي لا تخضع لأهواء رئيس القبيلة والمجموعة, وإنما جَعَلت من رجال الدين حُرّاس لتطبيق هذه التعاليم والقول بها بشجاعة.
ومن هذا المفهوم نجد أنّ الزدقا قد أحتلت مكانة كبيرة في التعاليم المندائيّة, والتي تُشدّد عليها بقوّة (مصدر)
ولو أخذنا واحدة من تلك البوث الكثيرة في كُتبنا الدينيّة والتي تَتحدّث عن الزدقا وعن المُساعدة بين أفراد المُجتمع, نجد تَشديداً على عدم التَجبّر على الضُعفاء, وإنما مُساعدتهم لكي يتغلبوا على الأقوياء الذين يُريدون أستغلالهم أو إيذائهم.
“باسمِ الحيِّ العظيم
إياكُم أنادي يا أغراسي التي أنا غَرستُها
ويامُختاريَّ الذين أنا أخترتهم:
لا تَفسقوا ولا تَسرقوا
ولا تكونوا وشاة (مُبلّغ عن الآخرين ونمّام)
ولا تُسلِّموا ضعيفاً إلى قويّ” الكنزا ربا اليمين, البوثة مع المُرفقات
أنّ أضعف فئات المُجتمع هُم الأطفال وخاصّة الإناث في المُجتمع الشرقي فلا حول ولا قوّة لهنّ, وهؤلاء الأطفال يحتاجون إلى دعم جميع أفراد مُجتمعهم, ولأنهم سوف يكوّنون مُستقبل المجموعة وقِيمها التي تَستمر بوجودهم.
أنّ السِنّ الذي تَحدّدَ بموجبه أن يكون الطفل قاصراً في مُعظم المُجتمعات الحديثة هو ثمانية عشر عاماً, ولكن في تعاليمنا المندائيّة نَجد بأنه خمسةَ عشر عاماً, وذلك لأن الوقت قد تغيّر وكذلك متوسط أعمار الناس كان مُنخفضاً مقارنة بما هو عليه اليوم, ولم تَكُن فُرص التعليم والعمل للإناث مُتاحة كما هو في عصرنا الحالي.
“يُسألُ الأب عن أخطاءِ أبنائهِ لغاية وصولهم لسن الخامسةَ عشرةَ من أعمارهم.
وذلك أنه لم يُناديهم (بالحق والصحيح) ولم يفتح عينهم على ذلك من غفوتهم.
ولم يُعلمهم الصَّلاةَ والتسبيح. ولا سيَّرهم بطريق الكشطا والإيمان ليصلوا بلد النور.
ولكن عند وصول الأبناء لسن الخامسة عشرة, فهم عن أعمالهم مسؤولون.” الكنزا ربا اليمين, البوثة مع المُرفقات
وبرُغم أن الزواج المُبكّر هو يؤدي إلى تكوين عائلة قويّة وكبيرة, وله العديد من المحاسن, ولكن الزواج هو خطأ كبير ومُدمّر للأعمار الصغيرة جداً والتي لم تَنضُج عقليّاً وجنسيّاً ونفسيّاً. ومن هنا فأن عمليات تَزويج القاصِرات لا يجب أن تُلقى تَبعاتها على الأهل وحدهم, ولأننا نعرف بوجود بعض الأشخاص المقهورين والمستسلمين لأسباب داخليّة أو خارجيّة, وبسبب ضُعفهم هذا فلا يجب السماح لهم ببيع بناتهم الصِغار في سوق النخاسة! وإنما أن يتم مُساعدتهم ماديّاً عبر لجان الزدقا وكذلك تثقيفهم بحقوق الأطفال الأبرياء وبتعاليم الدين التي تَمنع هذا الظُلم, ولم تَعُد المُجتمعات عشائرية مُقفلة ومعزولة عن العالم, وإنما أصبح التَعليم والعَمل والحريّة بالقرار حق لجميع البشر.
وأمّا رجل الدين الذي تَعميه العُمل الذهبية التي يُعطونها له مُقابل الموافقة على إجراء هذه الطقوس بتزويج القاصرات الصغيرات, وكذلك الذي لا يقوم بواجبه بالتنبيه إلى خطورة هذا الموضوع, ولا يُحذّر مُجتمعه منها فأن غَضب الحيّ العظيم حالٌ عليه.
وعلى رؤساء المعابد وخاصّة من الذين كرّسوا الشيوخ أن يتحملوا مسؤولياتهم, ولأنهم مسؤولون عن عَملهم بجلب رجال دين جُدد إن كانوا لايلتزمون بالتعاليم والأخلاق وبالعمل الصالح.
”حديثُ مِنداادهيي الحاكِمُ الذي أتى إلى الدُنيا لكي يُحاسب الكنزبري ..
إحذروا إخواني وإحذروا أحبّائي وأحذروا إخواني من الموت, ففور أن يموت رؤساء المعابد ويفتحوا فَمَهُم ويُغلقوا أعينهُم فسوف تبدأ مُساءلتهُم (مُحاسبتهُم) هُناك” دراشا اد يهيا, البوثة مع المُرفقات
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ