السلك الديني المندائي الذكوري / تكملة
تحدثنا في البحث السابق وقلنا بعدم وجود نساء في السلك الديني خلال جميع المراحل التاريخية (1) وأنّ السلك الديني المندائي هو ذكوري وخاص للرجال فقط. وهذا الموضوع هو حاسم ولأنه في داخل الفلسفة. ولمن يقرأ الكتب الدينيّة بلغتها الأصلية فسيجد في أكثر من موضع عدم جواز دخول المرأة للسلك الديني, ولا توجد مساواة بين الجنسين في ذلك. وهذا أحد النصوص الذي يوجد به تحريم صريح لتكريس النساء
“ثم أوضح لكم أنا هيبل زيوا يا أبنائي وشتلاتي وتلاميذي المحبين:
أحذروا أن تُعطوا التاج (الدرجة الدينيّة) للنساء.” ديوان اليف ترسّر شيالي
ولمن يريد أن يُشكك بالنص أعلاه من ديوان الترسر لأي سبب من الأسباب المزعومة. فتوجد نصوص أخرى تشرح لماذا لا يجوز تكريس النساء, ولكن نعطيها فقط لرجال الدين الذين يطلبونها ونُشهد عليهم الحيّ العظيم أن لا يكشفوها.
ولكن هنالك من يقول بأن أسماء بعض النساء كانت قد ذُكرت في موضع معين بالنصوص المندائيّة بكونهن صاحبات درجة دينيّة. فهل هذا يعني بوجود تناقض في الكتب حول هذا الموضوع؟ والجواب هو كلا فلا يوجد تناقض ولأن الموضع الذي أشار إليه أصحاب نظرية تكريس النساء. هو أجتهاد شخصي ضمن دعاء اللوفاني الذي يجريه المندائيون لأجدادهم وخاصّة في عيد البرونايا, فيحرصون جميعهم وحتى غير الملتزمين بالطقوس ولكنهم من المُحبين لأجدادهم فيبادرون بعمل اللوفاني عبر تحضير أطعمة طبيعيّة من الخضروات والفواكه والخبز والسمك ومن ثم يقرأون ترتيلة طاب طابا الطابي. وفي داخل الترتيلة يتم وضع أسماء (ملاويش) الأقارب والأجداد وجميع رجال الدين القدامى الذين يعرفونهم والذين قدموا خدمات كبيرة لدينهم ولاستمرار الدارة المندائيّة ليطلبوا لهم غفران الخطايا. وبعد هذه الترتيلة وذكر الأهل والأجداد يتناولون الطعام. ولكن قائمة الأسماء تلك هي مُتغيرة حسب كل شخص ومدى قرابته أو رغبته بذكر الأحياء من الأقارب والمتوفين من الأجداد المندائيين القدامى. وكانت قد وجدت ضمن أزهار أحد نسخ كتاب النياني القليلة, أسماء متعددة وفيها يذكر الشخص الذي نسخ التراتيل ملاويش لناسخي الكتب القدامى الذين يأتون في نهايات سلالات الناسخين غالباً أو حتى من التراث المندائي. ومن ثم يقسمهم إلى ترميدي وكنزبري وريش امي وحسب قدمهم بالنسخ فيضع الأقدم ضمن الريش امي وهكذا وضمن تلك الأسماء يوجد من الذكور والإناث.
وكما نلاحظ من مقارنة تلك الأسماء في الدعاء مع أزهار أحد الكتب الدينيّة من سنة 1883 بأنها نفس أسماء الناسخين الأقدم في نهاية الأزهار وأنّ الريش أمه الوحيد الذي كان موجودا هو آدم ابو الفرج. وحتى أنّ أسم هيونه ربما أتى بخطأ لإضافة أسمها فنجد الناسخ في كتاب المصبوتا هو بيني بر زكي وأمه هيونه, ولكن لا وجود لهيونه كشخصيّة منفردة ضمن الناسخين.
وطبعاً لا يمكن قبول ذلك الدعاء أو إعطائه مصداقيّة ولأنهم نفس الناسخين القدامى ولا يتم ذكر أية درجات دينيّة لهم ضمن ذكرهم في الكتب الدينيّة التي نسخوها. ولكن فقط في ذلك الدعاء العائد للشخص الذي نسخ الترتيلة ومن دون أية تفاصيل. من حرصهم وأمانتهم في النَسخ فقد أبقى الذين ينسخون تلك النسخة من النياني لاحقاً على تلك الأسماء ضمن الأزهار نفسه وكانوا يضيفون أو ينقصون منها حسب معرفتهم للترميدي أو للكنزبري أو لشخصية جيدة. ونجد أختلافات بينها لغاية الريش امي ولأن هذه الدرجة لم يصلها سوى الرموز القليلة عبر التاريخ. وأما الأزهارات الخاصّة بالكتب فهي تذكر الدرجة الدينيّة للناسخين كاملة فتقول نسخها الربي فلان أو الشواليا أو الكنزبرا أو الريش أمه. ولهذا فهي تخص ذلك الشخص بمصداقية. بينما هذا الدعاء هو شخصي غير معروف من كتبه وهل له درجة دينيّة أم لا وهو متغير من شخص لآخر. وأن أي شخص كان يستطيع أن يضيف ما يريد من الأسماء لكي يقرأها عند قيامه بعمل اللوفاني فهي نُسخة لعامّة المندائيين. ولهذا فأن ذلك التوثيق لا يعتبر من النصوص الدينيّة المندائيّة وليست له مصداقية النصوص ولا الأزهارات التي كتبها رجال الدين في هوامش كتبهم التي نسخوها.
أن عملية إزالة الشوائب والمفاهيم الخاطئة العالقة بالدين المندائي القديم هي ليست بالأمر السهل ولا نتوقع قبولها بسهولة. وخاصّة بكون كثير منها متعارف عليها منذ مدة طويلة ولكن هذا العمل يجب أن يتم لإعادة بريق هذا الدين العريق.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
مقالة: السلك الديني المندائي الذكوري.