الحِقد على الحضارات الأصيلة
تُعرّف الحضارات الأصيلة “Unrelated civilizations” أو “Original civilizations” حسب المؤرخ توينبي: وهي الحضارات التي لم تُشتق من حضارات أخرى, أي أنها نشأت من الأدوار البدائيّة الأولى في عصور ما قبل التاريخ قبل ملايين السنين. وهي حضارات بلاد الرافدين وحضارة وادي النيل وحضارة الشرق الأقصى (الحضارة الصينية) وحضارة المايا والأزتك في أميركا الوسطى وحضارة وادي نهر السند والتي ترتبط بحضارة بلاد الرافدين (مصدر1).
ولو تتبعنا مسار الشعوب المنبثقة من تلك الحضارات في العصر الحديث, فنجد بأنها كانت تحت الضغط المستمر من الدول التي أخذت عناصر الحضارة منها, فأصبحت لديها عقدة بالنقص تحاول إرضائها عبر القضاء أو الانتقاص من أصحاب تلك الحضارات الأصيلة. وكذلك لأن تلك الشعوب صاحبة الحضارة هي كانت قد طوّرت شرائع وعبادات دينيّة خاصّة بها, ومجتمعاتها تمتلك الفطرة السليمة فيعرفون الفرق بين الرجل والمرأة ولديهم عائلة مترابطة ومجتمع تَحكمه قوانين أخلاقيّة مُشددة مثل الاحترام والحب للأبوين من قبل الأبناء, وللكبار من قبل الصغار وهكذا.
وأمّا الدول الهجينة التي نشأت من المستعمرات الأوروبيّة مثل أميركا وكندا واستراليا وإسرائيل, فهؤلاء يكرهون كل ما تُمثّله الحضارات الأصيلة ويسعون للقضاء عليها, كما ويناقضون كل مفاهيمها الإنسانيّة التي أتت من تطوّر مجتمعاتهم عبر آلاف السنين.
حيث يعود الأوربيون في حضارتهم الأقدم إلى عهد اليونان في القرن الثامن ق.م. وهي حضارة مُقتبسة من حضارات بلاد الرافدين ومصر وأستمر اقتباسهم من تلك الحضارات عبر الفلاسفة اليونانيين القدامى في عهد فيثاغورس وطلابه خلال القرن السادس ق.م. ولكن السيطرة الكاملة على الحضارتين الأصيلتين أتت عندما احتلوهما خلال عهد الإسكندر في القرن الرابع ق.م. وبعد ذلك خلال الاحتلالات الرومانيّة المتقطّعة لبلاد الرافدين ومصر في القرن الأول الميلادي, وخلالها سعوا إلى تغيير دياناتها إلى المسيحيّة بالقوّة ولكي يذيبوا تلك الحضارات العريقة في بودقة الدين الواحد ويبعدونها عن أن تعود لتكون حضارات قوميّة.
وعلى نفس المنوال في العصر الحديث, فقد سَعت تلك الدول الهجينة أو الناتجة من الحضارات المُقتبسة إلى احتلال وتدمير باقي الحضارات الأصيلة فاحتلوا الصين وأهانوها وكذلك الهند وقسّموها. وقاموا بالقضاء على حضارة المايا والأزتك في أميركا وأبادوا سكانها الأصليين البالغين 112 مليوناً عن بكرة أبيهم (مصدر2). ولم يدّخروا وسعاً في تدمير بلاد الرافدين وقتل شعبها سواء في العراق أو في سوريا, وكذلك مصر التي يترصّدون الإيقاع بها ويحيكون المؤامرات المستمرة حولها. ولم يَسلم من بطشهم حتى الأسكيمو في القطب الشمالي والبريجنيز في استراليا ونيوزيلاندا, برغم كونهم ليسوا بناة حضارة ولكن لأنهم يمثلون تاريخاً منفصلاً له جذور وعبادات وعادات ولم ينشأ مجتمعهم نتيجة للأفكار التي يروّجون لها.
أنّ الدول الأوربية التي بدأت مع عصر النهضة الصناعيّة, وخاصة بريطانيا وفرنسا وبعد ذلك الولايات المتحدة التي تسيّدت تلك الدول لاحقاً. فأصبحت تحاول القضاء على الحضارات الأصيلة مستخدمة جميع وسائل الإبادة من حروب اقتصاديّة واحتلالات عسكريّة إلى وسائل استخبارية عبر أثارة الحروب الأهليّة وحروب الوكالة ضدها, وحتى أستخدام أسلحة الإبادة الشاملة بنشر الأوبئة والأمراض والتلوّث. ولم تُترك أي من تلك الحضارات الأصيلة بحالها, ولا حتى اليونان الأوروبيّة التي تُمثل أقدم حضارة أوربيّة. وإن كانت حضارتها مُشتقّة من الحضارات الأصيلة ولكنهم لم يدخروا وسعاً في أذلالها وتركيع شعبها فأصبحت الآن مُباعة بالكامل كدولة إلى الشركات التابعة لهم وخاصّة الألمانيّة.
ربما عَكست أحداث بطولة كأس العالم التي جَرت في قطر 2022 والهجوم الإعلامي عليها بعد ذلك, مقدار الحقد على باقي شعوب العالم, كونهم في حقيقتهم ينظرون لتلك الشعوب من خلال كونها شعوباً أدنى مرتبة في سلم الإنسانيّة, وهذا يكون تبريرهم عن احتلال وتدمير تلك الشعوب والبلدان وفقاً لمبدأ تفوّق الأجناس الذي يكون من المسلمات لدى شخصيات الدولة العميقة التي تحكمهم. ولهذا فلا يستطيعون السماح لتلك الشعوب بنشر جانب حضاري متطوّر ولأنه يناقض الصورة النمطيّة التي زرعوها لدى شعوبهم لتبرير الوحشيّة التي عاملوا بها تلك الشعوب عبر تاريخهم.
وبالمقابل فهم لايكفّون عن نشر ثقافة الانحلال والسقوط والتحلل والعبوديّة الطوعيّة والتنظير لها بكونها تطوّر, فلا يجب أن يكون هنالك شيء أسمه شرف ولاتبقى فتاة غير متزوجة وهي باكر ولايبقى رجل كامل ولاتبقى صلة رحم ولا قرابة وأخوّة, ولايبقى إنسان حُر يَعمل لنفسه وعائلته. وإنما الجميع يجب أن يتحوّل ويصبح مثل النموذج الذي يروّجون له, فلا يعرفون آبائهم ولا يكترثون لأبنائهم وأن يصبحوا عبيد لدى شركاتهم التي ابتلعت الأرض والسماء. وأيضاً فيجب أن يتم تَسفيه جميع الأديان والقضاء على فلسفاتها ولكي يصبح الوضع ملائما ً لنشر عبادة الشيطان عبر اللّواط الذي هو من طقوس ديانتهم السريّة.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
المصادر
1. كتاب: مقدمة في أدب العراق القديم, ص9
2. مقالة: استأصلوا هذا الجنس اللعين: إبادة 112 مليون أمريكي في حروب جرثومية