الحِبر المَندائي السرّي

لم يكن بقاء المندائية ونجاتها مُنذ آلاف السنين نتيجة للصدفة الحَسَنة وإنما بسبب حِكمَة ودراية الناصورائيون الأوائل (مصدر1) والذين كانوا رجال دين عارفين ومؤمنين, فلم تكن تُشغلهم أصناف الطعام ولا تَرَفْ العيش والمناصب قدر ما كان يشغلهم التقرب لله الحَي العظيم بالعبادة والطقوس, ومِنها يكون الإتصال بالخالق الذي يُلهِمَهُم بما يقوّيهم ويُرشدهُم على تخطي الصِعاب والمخاطر لهُم وللجيل المندائي الذي يتبعهُم.
إن واحدة من أكبر المصاعب التي واجهت الديانات جميعها هو التحريف والتزوير في الكُتُب الدينية (مصدر2) ومُحاولات الحَطّ مِن قيمة رجال الدين (مصدر3), وهو الذي مارسته تلك المُنظمات المعروفة, ولغرض ربط الأديان جميعها بهم ومن ثُم السيطرة عليهم وتنصيب أنفسهم ملوكاً على العالم, وقد كانت عملية إضافة أو مَسح بعض النصوص من الكتب المُقدسة واردة جداً في جميع المراحل ولجميع الديانات, وهو الذي جَعَلَها تنقسم إلى فِرق مُختلفة داخل نفس الدين.
ولكن الحال مع المندائيين كان أفضل فقد حَمَتهُم لُغَتَهُم المندائية النقيّة من المُفردات اليونانية ولهذا فقد كان من الصعب الدَسْ في كُتُبَهُم, وكذلك الإجراءات التي تنبه لها الناصورائيون وهي أنّ كُل رجُل دين ينسخ كُتُبَه على ورق البردي وكذلك يصنع الحِبر الذي يَكتُب به الكُتُب الدينيّة بنفسه ووفق معايير تقنيّة ودينية خاصّة وصفَتها دراور (مصدر4) كما في الأسفل*. 
إن محاولات طمس وتشويه ديننا كانت جارية مُنذ الأزل من قِبل أعداء الدين المندائي, ولو لم يقُم أولئك الناصورائيون العارفون بهذه المعايير التي نَعرفها اليوم وبغيرها, لكُنّا اليوم نَعبدُ العِجلَ الذَهبي!!!

لقد نُبِهنا مرات عديدة مِن قبل الباحثين المندائيين المُخلصين (مصدر5) عن وجود مجموعات من الإنتهازيين (مندائيين) حيثُ يقوم هؤلاء بشراء الآثار المندائية والمخطوطات الأصلية ومن ثُم بيعها للجهات التي لديها عداء تأريخي مع المندائيين, وذلك لغرض إفراغ المصادر الأصليّة التي يُمكن الرجوع إليها عند الشَك بوجود تحريف أو تَزوير, وكذلك لطمس قِدَم الديانة المندائية, وطبعاً الجهات التي يعمل لديها هؤلاء معروفة بعلاقاتها وإمكانياتها, وتُغدِق عليهم بالألقاب العلمية والأموال وبكُل ما يرفع الهالة الإعلامية لهم, ولغرض تسهيل مُهمتهم بالحصول على المناصب القيادية والإجتماعية العالية في الطائفة ومن ثم السيطرة عليها وإخضاعها. فمثلاً نَجِد تسهيلات وأموال ووعود بإعطاء شهادات الدكتوراه لكل من يعمل على تشويه الفلسفة المندائية والضرب بها وإظهار أنّ المندائية قد خَرَجَت من دين آخر أو تفرّعت منه مثلاً, وتوجد أموال وشهادات دكتوراه لكل من يكشف الأسرار الدينية الخاصة بالمعرفة الناصورائيّة والتي ضحّى الناصورائيون الأوائل بأنفسهم ولم يكشفوها للغُرباء (مصدر6), وتوجد أموال وشهادات دكتوراه لكُل من يُشوّه سُمعة الناصورائيون الأوائل والقيادات المندائية التأريخية (مصدر7) والتي حَفَظت المندائيين ودينهم مُنذُ آلاف السنين وخلال أعتى الظروف ولم تستسلم ولم تَهُن, وهذا مايتماشى مع أهداف الجهات المُعادية للمندائيين (مصدر3).

قد تبدو القيادات الدينية الحالية مُنقسمة وغير موحدة وهذا تشخيص صحيح ونستطيع أن نتفهمه لأسباب مُتعددة منها الخلافات بين المؤسسات المندائية نفسها والبُعد الجُغرافي وإقتصار الحوار بينهم على وسائل التواصل, والذي إنعكس على وِحدَة رجال الدين أنفسهم, ولكن الشيء المُهم هنا هو أن تقوم المجموعات المُختَلَفة لرجال الدين المندائيين بأداء عملها كاملاً وهو ليس بالطقوس فقط! وإنما بالحِفاظ على الدين المندائي ضد عمليات الهجوم التي يقوم بها المُخربون والعُملاء أو المُغرر بِهم, فمثلاً عندما يوجد من يُحاول أن يُبَشِّر لدين آخر وأن يُشوه فلسفة الدين المندائي في سبيل أن يُظهره على إنه تابع لتلك الديانة التي يَعبُدها سِراً وعلناً, وكذلك فهو يسعى للتهجُم والإنتقاص من الرموز المندائية من أشخاص أحياء وأموات فهذا الشخص يجب أن يُطرد وأن لايُعتبر من المندائيين ولاتُقام له الطقوس الدينية المندائية, وذلك حسب فتوى رجال الدين الستة المُرفقة في الصور والتي تقول بأن من يسعى لإلحاق الأذى بديننا المندائي فلا تُجرى لهُ الطقوس وكذلك لاتُجرى الطقوس لغير المندائيين, وجميعنا نعرف قصة ذلك الشخص الذي تحول للمسيحية وبدأ بالتجسس على المندائيين عبر وسائل التواصل وإعطاء المعلومات والمفاتيح المندائية للمُبشرين ولكي يحاولوا تنصير أكبر عدد منهم وكذلك بالإنتقاص والهجوم على الفلسفة الدينية المندائية.

إن واجب رجال الدين اليوم هو أن يحموا الدين المندائي من هؤلاء المخربين وأن يكونوا شُجعان بمواقفهم التي يجب أن تنبع من جوهر إيمانهُم وفلسفتهم الدينية، وعلى القيادات المدنية أن تُساندهُم بالحفاظ على المندائية وتعاليمها الثابتة ولكي لا تتحول إلى موروث ثقافي غير مُلزم بالثوابت, وهو مايَهدف له البعض ممن يُفكرون بالدين على إنه يجب أن يكون قابلاً للتحوير والتغيير ولكي يتماشى مع تطلُعات وأفكارهُم الظرفية.
وكذلك ففي حالة وجود أشخاص يجمعون الكُتب والمخطوطات المندائية الأصلية ويبيعونها إلى أعداء الطائفة ويُسهلون عليهم تزوير التأريخ ومُهاجمة الدين المندائي, فهؤلاء يجب أن يجدوا موقفاً قوياً من رجال الدين ورجال العهد الغيورين على دينهم, وأن يتم تشخيصهم وكيفية التعامل معهم بالإجماع.

*شَرح طريقة صُنع الحِبر المندائي السرّي
لقد كان الحِبر الذي يُصنع من قبل الكُهّان المندائيون أنفسهم ذا لون أسود لمّاع ولكي يكون من الصعب تقليده وكذلك لكي يتم تمييز الإضافات اللاحقة والتزوير بسهولة, وهو يُحفظ على شكل بلورات تُذاب في الماء حين يراد الإستعمال, وقد كان لكل رجل دين مندائي تركيبته الخاصّة السريّة لصُنع الحبر (ديوثا), وفيما يلي إحدى تلك التركيبات التي ذَكَرَتها دراور في كتابها (مصدر4)
يُمزج الغراء بماء النهر ويترك إلى أن يذوب ثُمَّ يُغلى إلى درجة التبخّر ولمُدة ستة أيام, وبعد ذلك يُسحق في اليوم السابع ويُخلط بمسحوق الفحم بنسبة مثقال واحد من الفحم إلى خمسة وعشرين مثقالاً من الغراء ولمدة 4-5 أيام, ثُمَّ يُمزَج بالماء إلى أن يُصبح عجينة ناعمة ثُمَّ يُغلى ويتحول إلى بلّورات تُمزَج بماء النهر (اليردنة) ويُعمل الحبر, ويجب أن يُتلى عليه دُعاء “أسّوثة ملكي” سلام الملائكة.
وتوجد بعض التركيبات الأخرى والتي يُستَعمل بها بندق العفص أو السخام المأخوذ من زيت السمك أي دهن السمك المذاب, وتُضاف إليه بعض الأعشاب من النوع الجيد وذات الصفات المُحددة, وتخضع جميع طُرق صُنع الحبر السرّي إلى شروط ذكر الأدعية والصلوات عليها.

سِنان ساميْ الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر
1
https://www.facebook.com/sinan.jader/posts/10218054656185882 
2
http://m.ahewar.org/s.asp… 
3
كتاب الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون, عباس محمود العقاد ص187
4
كتاب الصابئة المندائيون, دراور ترجمة نعيم بدوي وغضبان الرومي ص54
5
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2683397081675693&set=p.2683397081675693&type=1
6
http://www.mandaeanunion.org/…/265-genocides-mandean-throug… 
7
https://www.facebook.com/sinan.jader/posts/10218151485206547