البخور العَطِر والطقوس الدينيّة
لقد كانت حضارات بلاد الرافدين القديمة تستخدم البخور أستخداماً دينيّاً وتعطيه الأهميّة الكبيرة, وذلك لأنه يدخل ضمن جميع طقوسهم الدينيّة (1) فيقول المؤرخ اليوناني هيرودوتس بأن البابليين كانوا يحرقون ما يقارب طنين ونصف من البخور كل عام وذلك فقط في مهرجان رأس السنة البابليّة -آكيتو الذي يصادف 1-12 نيسانو – نيسان. وكذلك كان يُستخدم لعلاج المرضى من قبل المعالج أو الشافي الذي يسمى آسو بالأكديّة. حيث أنّ العلاج كان يعتمد على أعطاء دواء يتم تحضيره, ويجب أن تصاحبه طقوس دينيّة كانت تستخدم البخور أيضاً ولكي يكون الشفاء كاملاً (2).
ولهذا فكان البخور ثميناً جداً, وكان يتم جلبه عبر طرق التجارة من مختلف المناطق وبأنواع متعددة منها العرعر وخشب الأرز وخشب الآس والصمغ واللّبان والمرّ, حيث كان يتم حرقه في المباخر.
ولا يختلف المندائيون عن أسلافهم البابليين والسومريين في التشديد على أهمية البخور واستخدامه خلال طقوسهم الدينيّة المختلفة. فنجد في مختلف النصوص تأكيد على وضع البخور في المباخر قبل وخلال التراتيل والطقوس, بحيث يكون وجودها أساسي وليس اختياري. ويستخدمون أنواع مختلفة من البخور وخاصّة خشب الصندل الذي يسمى سندروس أو سندلوس بالمندائيّة.
وبالتأكيد فأن أي مادّة يتم حرقها تسبب خروج أبخرة وهي ذات تأثير حسب نوع المادّة. وفي حالة البخور فأنه منشّط قوي للجهاز العصبي ويساعد على إفراز هرمون السعادة, ولكن وبنفس الوقت فأن استنشاق الكثير منه في مكان مغلق له آثار سلبيّة (3). وأمّا في الماضي فكانت جميع الفعاليات والطقوس التي تستخدم البخور تجري في الهواء الطلق, ولهذا فلا يكون لها تأثير ضار على الإنسان.
وعلى العكس من أهميّة البخور في الطقوس وفوائد الاستخدام الصحيح له, فأن كل المواد التي تدخل ضمن المسكّرات والمخدرات هي ممنوعة على المندائيين. وذلك لتأثيرها على الدماغ وتلاعبها بتوازن المواد الكيميائيّة الطبيعيّة فيه وهي تسبب الإدمان. أن التدخين الذي يتم فيه حرق مواد سامّة ويتم استنشاقه بصورة مباشرة للرئة, هو يدمّر الخلايا العصبيّة بنسبة تختلف حسب نوع المواد المحروقة, حيث أنّ تدخين مادّة مثل نبتة القنب والتي تُسمى أوراقها وأزهارها وبذورها بالماريجوانا بينما الحشيش هو أخذ المادّة الصمغيّة من تلك النبتة. وأنّ تدخين جميع تلك المواد هي تسبب تدمير الخلايا العصبيّة والضعف الشديد للدماغ أو بعبارة أخرى هي تسبب البلادة. وأمّا تدخين النيكوتين في السكائر الشائعة فهو الآخر سام ويسبب تقليل كميّة الأوكسجين التي تصل للدماغ ولهذا فتنخفض قدراته أيضاً. وطبعاً هنالك مئات الأعراض السلبيّة الأخرى للتدخين (4) وجميعها تلحق الضرر بالجسد ككل وتحدد قدراته وصولاً للأمراض التي تسبب الموت. وبالإضافة إلى كونه يؤثر سلبيّاً على نشاط الدماغ وإمكانياته فأن التدخين يُضعف الرئة التي هي مركز الطاقة للجسم فتصبح غير قادرة على أداء عملها بصورة صحيحة. ومن ناحيّة روحانيّة فأن انخفاض الطاقة الداخلة للجسم بصورة عامة يصاحبه انخفاض في جميع فعالياته ومنها الطاقة الروحيّة, وحتى القدرة على أداء التراتيل التي تحتاج إلى رئة سليمة ونَفَس قوي. وقد كان التدخين يُستخدم في عمل السحر والشعوذة قديماً.
لقد قام الناصورائيون والأنبياء في زمانهم بتحريم الكحول لأنه يضر بالعقل والوعي. ولكن لو يأتي أحد منهم في هذا الزمان فأنه بكل تأكيد سيقوم بتحريم التدخين, فهي العادة السيئة مسببة الأمراض التي أصابت معظم البشر إمّا لأنهم يدخنون أو لأنهم يجلسون قرب المدخنين.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
1. البخور والعطور في حضارة العراق القديم، د.صلاح رشيد الصالحي
3. ما هي أضرار البخور؟ محمد البغدادي
4. ما تأثير النيكوتين على الدماغ؟, موقع الطبي