“أيُّها المندائيّ:
(١ ) إذا كنتَ قويّاً فكُنْ باهرَ الصِّدق، كالملِكِ الذي يضَعُ التاجَ على رأسِهِ ويَشهَرُ سيفَهُ في وَجهِ الشَّرّ. فإنْ لم تكنْ بهذهِ القوَّةِ فكنْ ناصورائيّاً صادقاً مثلَ فلّاحٍ مُثمِرٍ يَستخرجُ غِلالَ الأرض. فمِنها عَونٌ للكاملين..ومنها قوَّةٌ لباهري الصِّدق” الكنزا ربا اليمين ص١٧١

بالطبع ليس هنالك مندائي يفرح عندما يسقط التاج من رأس أحد رجال دينهم المثقفين!!
وحيثُ أنَّ الأستاذ علاء النشمي كان قد تميز بقدر جيد من البحوث التي أجراها والتي تخدم المُجتمع المندائي، ولكن ورُغم تلك البحوث فقد كُنت أُلاحظ شخصياً وجود بَصمة علمانية على أفكاره وتفسيره للنصوص الدينية (مصدر١)، ويُحاول من خلالها أن يَجد التطابق مع التوجه العام للشخصيات العلمانية القيادية والتي لها الثقل الأكبر في التأثير على قيادة الطائفة منذ منتصف القرن العشرين ولغاية الآن.
مثل تصريحه بعدم وجود تعدد الزوجات لدى المندائيين، في حين أنَّ هذا الموضوع غير صحيح ولايوجد أي نَصْ في كتبنا المقدّسة أو مانع ديني حول تعدد الزوجات ومُعظم رجال ديننا القُدامى وبعض الحاليين، هُم متزوجون من أكثر من زوجة.
وكذلك دعمه الضمني للتبشير خارج المندائية، وطبعاً لاننسى حادثته بأصطحاب الصديق الوفي إلى المندي، وحيثُ أنَّ هذا الموضوع ومنعه هو بديهي ليس إلى رجال الدين المندائيين فقط وإنما لدى أغلب الديانات، ولكنه لم يكن يعترف بذلك وَتعمّد جلبه ليُبين أفكاره وليس لكي ينتقص من التعاليم، وربما هذا بسبب كونه علمانياً مُنذ البدء قبل تكريسه ولكنه دخل السلك الكهنوتي بظروف خاصة.
وهذه الخاتمة بزواجه الذي أختاره والذي لايتفق مع التعاليم المنصوصة بكونه رجل دين، ولكنه حُر بأختياراته في الحياة بعد أن قرر ترك السلك الكهنوتي طوعاً، وليس لأحد الحق بأن يلومه على قراراته الخاصة، مادام الحيُّ العظيمُ يعلم ويرى.

ولكننا يجب أن نشكُر الأستاذ علاء النشمي للتالي
١- المستوى الجيد من البحوث الدينية والتأريخية والتي كان قد أجراها، وهو شخص إنساني لديه رغبة بمساعدة الجميع صغاراً وكباراً مندائيين وغيرهم.
٢- كونه إنساناً صادقاً وقرر أن يترك السلك الكهنوتي بنفسه بعد أن ثَقُلَ التاج عليه، وعسى أن يبقى فلّاح مُثمر ولاينقطع عن إجراء البحوث الدينية والتاريخية التي تخدم المندائية.
٣- لم يُحاول أن يَبيع الأسرار المندائية التي يعرفها للمنظمات التابعة للدوائر المسيحية واليهودية، ولم يُحاول أن يُغازلهم ببحوث تُنسب المندائية إلى الطوائف المسيحية الغنوصية أو بكونهم طائفة أنشقّت عن اليهودية، وكما هُم يُريدون من رجال ديننا ومن الذين يعملون معهم من أبناء الطائفة.
٤- بينت هذه الحادثة بأن رجال الدين المندائيين جميعاً هُم متفقون ومتوحدون في الحفاظ على المندائية، فلم يُجاملوا صديقاً وأخاً في الكشطا عندما تركهم، وهذا الموضوع مُهم أن يعرفه المندائيون لزيادة الثقة برجال الدين المندائيين.

أنَّ الحياة نفسها هي إمتحان كبير تجري فيه متغيرات لاحصر لها، وبالنسبة لمن يختار السلك الكهنوتي المندائي فهو يكون في إمتحان وتحدي صعب لشهوات الروح وحاجات الجسم كل يوم وكل وقت، ولهذا فقد كان ثبات القلب في الإيمان هو أكثر مايحتاجه رجل الدين المندائي لكي يقاوم تلك التحديات
“الصَّدَقةُ والأحسان..وَثَباتُ قلبِكَ في الأيمان.. ذاك هو زادُكَ في طريقِكَ إلى الدَّيّان” الكنزا ربا اليسار ص١٢٤ .
ولكن ليس معنى الكلام بأن رجال الدين المؤمنين فقط هُم الذين تُقدّر لهم الحسنات ويذهبون لعالم الأنوار، وإنما الذين يُعطون الأجر والصدقة وإن كانوا من غير الملتزمين دينياً ولأي سبب كان، وأنَّ الثمار لاتنضُج جميعها بنفس الوقت ولكن قيمتها تبقى ثابتة.
فمثلاً هنالك رجل دين لايقدّم شيئاً للآخرين ولايساعد أحداً ولكي يتجنب مشاكل الناس ولكنه دائم على طقوسه، وهنالك طبيب غير ملتزم بالطقوس ولأنه علماني التفكير وهو يُساعد الآخرين من منطلق إنسانيته العالية ويُنقذ البشر ويُخفف آلامهم، فعند الحساب تكون حسنات الطبيب جزاء صدقته الطيبة للآخرين أكبر من حسنات رجل الدين الذي لايُقدم للمجتمع شيئاً بسبب أنانيته، وبالتالي يكون خارج حسابات دورة الحياة والتي تحسب حساباً لكل الكائنات فالنحل يُلقّح الأزهار والتي تُنتج الثمار ليأكلها الإنسان والحيوان وتعود الدورة مجدداً، ونفس الشيء للبشر الذين يساعدون بعضهم البعض كُلٌ حسب إمكانيته وعلمه وعمله.
“ملائكةُ الضِّياءِ تُسبِّحُ لملكِ النُّور بالضِّياءِ الَّذي وَهَبَهُ إيّاهُم
ملائكةُ الضِّياءِ تُسبِّحُ لملكِ النُّور بأرديَةِ النُّور التي وهَبَها إيّأهُم.
ملائكةُ الضِّياءِ تُسبِّحُ لملكِ النُّور بأحزِمَةِ الضِّياءِ التي وَهَبها إيّاهُم ….” الكنزا ربا اليمين ص٤

فليس هُنالك حدود لمن يُريد أن يُساعد الآخرين والمُجتمع الذي ينتمي إليه وجميعها صدقة وعمل صالح، ولكن يبقى التعليم هو الصدقة الكبيرة.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر
١
http://mandaean.dk/node/537

من mandaean