سوق الشيوخ .. أصل المندائيين.

تُمثّل مدينة سوق الشيوخ أقدم مناطق تواجد المندائيين في بلاد الرافدين, وحيث أنّ هذه المدينة لاتبعد سوى 30 كيلومتر عن مدينتي أور وأريدو, والتي توجد بها أطلال لمعابد أنكي ملاك الماء وهو الذي علّم البشر الحكمة لدى السومريين وهو نفسه تمت تسميته ايا لدى البابليين, وأنّ الشواهد الآثاريّة من تلك المعابد وطريقة عبادتهم وطقوسهم المائيّة هي من أكبر الأدلّة على التشابه والتوافق مع العبادة لدى المندائيين, وبالتالي فهي تأكيد لإصولهم الرافدينيّة (مصدر1&2), ولكن نهر الفُرات الذي كان يمر سابقاً بهاتين المدينتين كان قد حوّل مجراه ولهذا فقدت المدينتين قوتهما السُكانيّة, بينما بقيت سوق الشيوخ على نهر الفُرات.

أن القِدم المندائي في مدينة سوق الشيوخ يعود لكونها مُحصّنة بحماية طبيعيّة وهي الأهوار, ولهذا فهُم كانوا يَحتمون بها بعد سقوط مدنهم الكُبرى خلال الإحتلالات المُتعاقبة من الرومان إلى الفرس وغيرهم, وحيث أن مُدن الناصريّة والعمارة هي حديثة نسبياً.

فسوق الشيوخ كانت محميّة عبر العصور داخل هور الحمار وهو أكبر الأهوار العراقيّة الآن, وأمّا سابقاً فكان يُمثل عُمق الأهوار ولأنها كانت مُتصلة مع بعضها البعض. وهذه الحماية الطبيعيّة هي التي حَمَت المندائيين من بطش الإحتلال الروماني والذي كان يقتل كُل من لايتحوّل إلى المسيحيّة في جميع البُلدان التي أحتلتها تلك الإمبراطوريّة العنيفة. ورُغم ذلك فأن كثير من المندائيين في مدينة بابل وفي أماكن أخرى على طول نهر الفُرات لم يكُن لهم من خيار سوى الهجرة إلى مدينة حرّان, والتي كانت ضمن الدولة الفارسيّة ولهذا فلا تصلهم الجيوش الرومانيّة, وهذه هي الهجرة التي تتحدّث عنها مخطوطة حرّان كويثا, ولاعلاقة لنا بفلسطين الحاليّة ولا يوجد تشابه معها أو مع عادات وعبادات أهلها, ولا يوجد ذكر جُغرافي لمناطقها في كُتبنا (مصدر3), وجميع تلك الكتابات حول الأصول الغربيّة للمندائيين هي لغرض إعطاء أهميّة تاريخيّة لتلك المدينة الصغيرة في ذلك الزمان والتي تُسمى القُدس الآن.

بعد سقوط مملكة ميسان في القرن الثالث الميلادي بيد الساسانيين الفرس, فأنّ تجمعات المندائيين هُناك أصبحت بين مُدن متعددة, بعضها قريب من التجمعات الفارسيّة ومدنها, ولهذا فكان المندائيون يُعانون من بطش الفُرس بالقتل والسرقة وغيرها من وسائل الظُلم والحيف! خلال تلك العصور وصولاً إلى العصر الحديث, وحيث تَذكُر المجازر التي حَدَثت في شوشتر في القرن الثامن عشر, كيف أبادوا المندائيين فيها (مصدر4) وفي مُدن كثيرة أخرى, وهاجرت على أثرها عوائل مندائيّة كثيرة من إيران إلى العراق, وأنضمّت إلى عوائل من مندائيي العراق ومنهم عائلة خفاجي ودرّاجي والذين أصبحوا مع العائلة السبتاويّة وغيرها من العوائل, وهذا الموضوع وغيره يؤكّد بأنّ حالة المندائيين في العراق كانت أفضل من أقرانهم في إيران خلال مُعظم العصور.

ففي العهد الإسلامي كان المندائيون مُقدّرون لدى الخُلفاء والحُكّام وكانت لبعضهم وظائف مُهمّة, وبعد ذلك وفي عهد الإحتلال العُثماني للعراق في القرن السادس عشر كان المندائيون في بلاد الرافدين محميين بالأهوار الطبيعة المُنعزلة, وكذلك بتحالفاتهم مع كثير من العشائر العربيّة المُسلمة وخاصة مع تلك التي ترتبط بالصداقة مع المندائيين, مثل بني أسد والسعدون وكنانة والسواعد وغيرها, وهُم كانوا يَهبّون للدفاع عن المندائيين ضد أي تعدّي يصدر عليهم وفق ما يُعرف عشائريا بالجرش. وطبعاً في تلك العصور لم تكن الحالات الأمنيّة في مناطق المندائيين بأفضل منها لدى المسلمين الذين يعيشون هناك, وكانت حالات الإجرام بالسلب والنهب وسبي النساء موجود في جميع المناطق, وهذا الخطر تُعاني منه المُجتمعات العشائريّة في المناطق النائيّة لغاية زمن قريب, وكذلك فأن الإحتلال العُثماني كان فاسداً وظالماً حد النُخاع.

وحيث تَذكُر مخطوطة مصبوتا اد هيبل زيوا التي كتبها ترميدا أسمه يحيى بهرام الخميسي ( يحيى بهرام بر آدم يهانا بر سام بهرام بر آدم زهرون من عائلة ريش دراز اللقب خميسي ) بأنه في عام 1839 كان هُنالك 100 مندائي يعيشون في منطقة شيخ بني كعب في الفلاحيّة والتي هي في الأهواز, وقد تمّ ختان الذكور منهم (جُزء الأزهار الخاص بالحادثة مُرفق) وبعد ذلك هو يَذكُر نَفسه كمُساعد لجدنا الكنزبرا صَكر وعمّنا الترميدا شبوط بالسماح لهؤلاء المكزورين بالصباغة والزواج ضمن المُجتمع المندائي.

لكن وللأسف فأنّ هُنالك أشخاص يُحاولون الإنتقاص من المندائيين في العراق ومن شيوخهم الذين كانوا يسكنون مدينة سوق الشيوخ, فحرّفوا ترجمة الأزهار وقالوا: بأن جميع المندائيين في سوق الشيوخ تمّ ختانهم, وبينما يقول الأزهار بأن المندائيين الذين خُتنوا كانوا في الفلاحيّة في منطقة بني كعب والتي هي في الأهواز – خوزستان وتسمى شادگان الآن, ولا يقول الأزهار بأن الحادثة في سوق الشيوخ, وكذلك فأنّ عدد المكزورين حسب الأزهار هو الذكور من مجموع 100 شخص أي رُبما نصفهم أو أقل.

أنّ المُحرّفين لهذه القصّة يَذكرون يحيى بهرام والذي كان بعمر العشرينات حسب قوله في الأزهار, وكأنه هو الذي كرّس أجدادنا الشيوخ المندويّة الكبار مثل الكنزبرا صَكر وأخية الشيخ بدر وأبنائهم وأبناء عمومتهم الشيوخ الآخرين مثل الترميدا شبوط والشيخين بهرام ورام وأبيهم الشيخ يحيى والشيخ زبد الشيخ رام. كما وأنّ الدرجات الدينيّة في ذلك الزمان لم تكن كما هي الآن, وإنما كانوا يقتدون بمنداادهيي الذي يُذكر في الكنزا ربا على أنه الكنزبرا العظيم!

وحتى أنّ أبناء الكنزبرا صَكر الشيخ دامْوك وأخيه الشيخ صَحَنْ كانوا موجودين, والأخير هو تولّد 1805 أي أنه كان أكبر من يهيا بهرام في ذلك الوقت وجميع هؤلاء هُم أبناء سُلالة معروفة وكبيرة من الشيوخ القُدامى, على عكس يحيى بهرام الذي لايُعرفه أي أحد, ولا حتى من العائلة الخميسيّة الكبيرة والعريقة التي نَسَبَ نفسه إليها, فكما مُثبّت في الأزهار بأنه خميسي, وبالتالي فأنّ الأزهار برمّته مشكوك به. وخاصة لأن إسرائيل كانت وراء هذا البحث المُغرض (مصدر5&6) فهم أسياد التزوير والتزييف, ويريدون دق أسفين تاريخي بين المندائيين والعشائر العربيّة في جنوب العراق.

وحيث أنّ الإضطهاد ضد المندائيين في العراق هو حقيقي, ولكن التضخيم الخارجي له من قبل المستشرقين كان لأهداف سياسيّة بالدرجة الأولى, فعند دخول الإنكليز للعراق بغرض أستكشافه, وهُم الذين بدأوا بذلك مُنذ القرن التاسع عشر, عبر تقديم المُساعدة التكنولوجيّة للعُثمانيين بالنقل النهري في أنهار العراق وكذلك بجلب التلغراف وخدمات البريد المتطورة وغيرها من أوجه عصر الصناعة, وعندها بدأوا بمُحاولة تصوير الوضع في العراق على أنه كارثي, وأنّ العُثمانيين الذين يحكمون وفق الشريعة الإسلاميّة كانوا يضطهدون باقي الأديان وخاصّة المسيحيّة (ولهذا أطلقوا علينا تسمية مسيحيي يوحنا المعمدان), وذلك لغرض كسب تأييد المجتمع العالمي والدول الغربيّة المسيحيّة, وتصوير نفسهم على أنهم مُحررين لهذه الشعوب ضد الإستعمار العُثماني الإسلامي وبهذا يُخفون سببهم الرئيسي وهو الطمع بخيرات هذه البُلدان.

ملاحظة: سوف تكون لنا مزيد من الردود, حول هذا التعدي ضد من لفّق القصّة وحرّفها وضد من قبض الثمن وعمل الدعاية لها, وأساء لأجدادنا الشيوخ في سوق الشيوخ, ولجميع المندائيين في العراق.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

1 مقالة: أصول الناصورائية المندائية”: العرفانية في وادي الرافدين, خزعل الماجدي

2 مقالة: السومريون-البابليون-المندائيون (الجزء الأول)، سنان الجادر

3. مقالة: قُرب بابل كانت أورشلام, سنان سامي الجادر

4. Jean de Morgan (mission scientifique en Perse ) volume5

5. مقالة: يحيى بهرام ..والقصّة المُحرّفة, سنان سامي الجادر

6. Yahia Bihram’s Narrative Colophons Part 1 : DC 35 ، MATTHEW MORGENSTERN، Tel Aviv University

من mandaean