لقد قررت القوى السياسية في العراق تخصيص مقعد كوتا للصابئة المندائيين في البرلمان، وهو قرار يبدو في ظاهره إنصافاً لكنه في جوهره زاد الغربة والألم. إن وجود هذا المقعد المنعزل دليل واضح على أن بقية العراقيين، سواء اختلفت دياناتهم أو قومياتهم، ما عادوا يهتمون بمطالب إخوانهم من أبناء الصابئة، أقدم مكونات هذا الشعب. وأصبح الصابئي بحاجة إلى مقعد وحيد من أصل 329 كي يُعنى بقضايا طائفته، في مشهد يختصر شعور الانعزال والخذلان.
ومما يزيد الأسى أن شاغلي مقعد الصابئة البرلماني وغيره من مقاعد المحاصصة في المؤسسات الأخرى، سواء في الماضي أو المستقبل، فأن جلّ أهتمامهم ينصب على منافعهم الشخصيّة والرواتب العالية والامتيازات -وأجزم بأن نفس هذا الوضع ينطبق على باقي المرشحين وطوائفهم. فهم لا يخدمون شعبهم ولا حتى طائفتهم وإنما يخدمون أنفسهم ومجموعاتهم الصغيرة. بينما يذهب البعض الآخر أبعد من ذلك؛ فيخون الوطن وهو يتكلم بلسان عراقي لكنه يخدم بعض دول الجوار التي دعمته أو هو يتحيّن الفرص لإقامة مملكته على أنقاض العراق بدعم صهيوني. وهذا الخلل في الدولة العراقيّة مقصود وليس مصادفة؛ لأن الجهات الخارجيّة التي وضعت نظام المحاصصة المقيتة وهذا الدستور المهلهل لاتريد خيراً للعراق ولا تريد وجود كوادر من الأكفّاء والمخلصين ليبنوا بلدهم وإنما يريدون إضعافه عبر تقسيم الشعب وضرب وحدته لكي يمهّدوا لاقتسام ثرواته وربما حتى احتلاله.
المأساة تتعمق بعد أن هُجّر 95% من أبناء الصابئة منذ عام 2003، فتشتتوا في بقاع العالم، وبات حتى ذلك المقعد اليتيم يتم أختيار مرشحه من قبل الأحزاب العراقية الأخرى، وليس من أبناء الطائفة نفسها. كل ذلك يجري مقابل الموافقة المسبقة من قبل النائب “الفزاعة” على كل قرارات الجهة التي رشحته بأصواتها. ودون اعتبارات حقيقية لمعاناة الصابئة ودورهم التاريخي.
طُردنا من ديارنا ولم نعد نسكن العراق وإن كان العراق يسكن فينا. لكننا في المهجر ما زلنا نعاني من تجاهل قضايا الصابئة، فبيوت أجدادنا ما تزال مستولى عليها ومهدّمة بعد احتلالها، وأصحاب المعاملات والأوراق الرسمية لا يجدون من يساعدهم طلباً للعدل والفرج.
أيها الأحزاب العراقية، أستحلفكم بمقدساتكم وأيمانكم أن تختاروا للصابئة شخصاً شريفاً تلقّى تعليماً حقيقياً، يحمل الوطنية في قلبه، يحب العراق وأهله جميعهم بصدق. فإن وجدتم هذه المواصفات حتى في مرشح غير صابئي، فسيكون خير من يمثّل الصابئة وينجز واجبه بأمانة وكفاءة.
أمّا إذا كان أختياركم هذه المرّة لمرشح من نفس العيّنة ومثل سابقاتها، بشخص شبه متعلّم يجسد مصالحه الخاصّة ومصالحكم الضيّقة, فسوف نقاتلكم بأسلحة إيماننا وهي بالدعاء عليكم وعلى أحزابكم.
الترميذا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ