دجلة والفُرات والماء الحي

أنّ الذي يقرأ الكتب المندائيّة ويمتلك بعض المعرفة الدينيّة, سوف يَعرف مدى تأثّر المندائيين بنهر الفُرات. وحيث تكون الفلسفة المندائيّة امتداد لحضارات بلاد الرافدين العظيمة, والتي كانت مُعظم مدنها القديمة على ضفاف الفُرات بسبب كونه أقل فيضاناً وعنفاً من نهر دجلة, ويعود ذلك لجغرافية الأرض المائلة التي يسير فيها (مصدر).

كما وأنّ تقديس نهر الفُرات الذي يجري في بلاد الرافدين منذ الأزل, كان منذ عهد السومريين والبابليين واستمرارهم مع المندائيين, حيث أنه وحسب النصوص المندائيّة يسمّى بالفُرات النوراني الذي حفرته الملائكة.

*1 “ياور فتح منبع نهر الفُرات النوراني, يوشامن حفر ضفتيه الاثنتين” دراشا اد ملكي

ولو نعود إلى ديوان نهرواثا فنجد بأن أنهار بلاد الرافدين الخالدة دجلة والفُرات وأولاي, هي الأنهار التي تأتيها المياه الحيّة من عالم النور فتُغذّي عالم الظلام جميعه, والذي هو العالم الأرضي.

أنّ نهر أولاي يسمّى بنهر الكارون حالياً بعد أن غير المُحتلون الفُرس أسمه, كما غيروا جميع أسماء المدن الرافدينيّة التي احتلوها وأصبحت ضمن إيران الحاليّة, فمدن الأهواز وشوشتر وديزفول هذه كانت مدن مندائيّة تتبع لمملكة ميسان. وبسبب المجازر التي أرتكبوها في تلك المدن ضد المندائيين, فقد نزحت العوائل منها نحو جنوب العراق الحالي بصورة مستمرة خلال القرون القليلة الماضيّة.

وكذلك فنجد العديد من النصوص والتعاليم التي تستشهد بدجلة والفُرات:

*2 “مَن يحملُ الماءَ من دجلةَ والفُرات ؟ .. مَن يُعينُ التي تلِد ؟ .. مَن يُلاقي الَّذي يَفِد ؟” الكنزا ربا اليسار

*3 “أُنظروا الأشجار القائمة على ضِفّة الفُرات العظيم, وهيَ تَشربُ الماء وتُثمر الثِمار ولا تَموت.

أُنظروا النَهر الجاف الذي جَفّت مياهه, فيَبِست وماتت الأشجار التي على ضِفافه.

هكذا ستَتَيبّس وتَموت نشماثا العُزّاب والعازِبات, الرِجال الذينَ لا يُريدون النِساء, والنِساء اللواتي لا يُردنَ الرِجال.” الكنزا ربا اليمين

وليس هذا فقط وإنما حتى إشارات نهاية العصور ترتبط بدجلة والفُرات

*4 “كلُ مَن عَمل أعمالاً سيئة فسوف يُحتَجزُ في هذا المكان.

إلى أن يجفَّ نهرُ الفُراتِ من مَنبعه, ودجلةَ يَنحسر ماؤه.

وإلى أن تَجفَّ كُلُ البحار.” الكنزا ربا اليسار

وبعد كل الذي تقدّم, فأن الذي يقول للمندائيين بأن يَنسوا وطنهم الأم بلاد الرافدين وأن يندمجوا في بلدان المَهجر, هو مثل الذي يقول لهم بأن ينسوا دينهم وأن يَمسحوا رسم الماء الحي من جباههم.

وكذلك نقول لأهلنا بأن يقرأوا تأريخ البلدان الغربيّة التي توطّنوا بها, فهذه بلدان تتميّز بعدم الاستقرار لمدّة طويلة بسبب نزعتها الاستعماريّة التي تدفعها لشن الحروب واحتلال شعوب أخرى أو تركيع شعوبها بوحشيّة. ولهذا فيجب أن نترك لنا طريقاً وخياراً مُتاحاً للعودة فور أن يعود الاستقرار, وأن نحفظ معابدنا وجذورنا في بلدنا الأم حيث دجلة والفُرات مَهد الحضارة وغرّة الأوطان.

فلا تتخلوا عن جذور أجدادكم من أجل بهرجة زائلة في بلدان الغرب التي سوف نبقى بها غُرباء نحن وأحفادنا مهما حيينا. وبنفس الوقت فلا نضيّع جهودنا سدى لخدمة مصالح أحزاب وسياسيين فاسدين, ومَن كانت لديه القوّة والمال والجُهد فأولى به أن يُساعد طائفته ودينه وتاريخه العريق.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

كتاب: مقدمة في تاريخ الحضارات الجزء الأول, طه باقر

من mandaean