الناصورائيّة والمندائيّة ..وليس الغنوصيّة (الجزء الثالث)

لقد بينا في مقالات سابقة الاختلافات الجوهريّة بين المندائيّة والحركات ذات الفلسفات الهجينة التي يسمونها بالغنوصيّة (مصدر1-2). وأن الحركات الغنوصيّة هي التسمية التي أطلقها المستشرقون على تلك الفرق المسيحيّة في بدايات الميلاد وصولاً إلى المانويّة, وكذلك مع الحركات الدينيّة الوهمية المرتبطة باليهوديّة أعتماداً على مخطوطات البحر الميت المزورة.

وتلك الحركات كانت تعترف جميعها بألوهيّة المسيح, كما وأنها كانت تؤمن بثنوية الكون أي بوجود قوّة للخير وأخرى للشر ولا تصل للتوحيد المندائي وتفرّد الخالق.

أنّ أصرار المستشرقين على نعت المندائيّة بالغنوصيّة, هو في سبيل أن يلغوا القِدم المندائي على المسيحيّة واليهوديّة, وأن يطعنوا بكونها ذات فلسفة أصيلة ولها سبق ونابعة من ذاتها, وإنما هم يقولون مع هذه التسميّة بأن المندائيّة قد أنشقّت عن المسيحيّة أو اليهوديّة. كما وأنها مُرادفة لدى مؤسساتهم الدينيّة بمعنى الضالين الذين لم يهتدوا, وهذا بالرغم من أن معنى الغنوصيّة باليونانيّة هو المعرفة.

وهنا سوف نأتي لتكملة الاختلافات بين الفلسفة المندائيّة وتلك الحركات :

3. الناصورائية تُسلّم بأن الكون وكُل المخلوقات التي فيه, قد تمّ خلقها بإرادة (بكلمة) الحيّ العظيم, وبينما تعتقد الغنوصية بأن هُنالك ملاكاً ساقطاً قد خلق العالم بخطأ وأنّ الله لم يكُن يُريد خَلقه!

وهذه أحدى البوث من الكنزا ربا وهي تُثبت بأن الحيُّ العظيم هو الذي خَلَقَ العالم بإرادته.

* “ياملكَ النُّور السَّامي .. مُبارَكٌَ ومسَبَّحٌ أنت إلى أبَدِ الآبدينْ.

بكَلِمتك خُلِقَ كلُّ شيء.” الكنزا ربا اليمين المندائيّة (الأصلية مع المرفقات)

أنّ الخلق بالكلمة هو مُشابه للتصورات السومريّة والبابليّة لأسطورة الخليقة الانوما ايليش أو عندما في الأعالي.

4. المندائيّة هي دين معرفي, أي أنها تبين بأن المعرفة تُزكّي صاحبها للوصول إلى عالم النور, ولأن الخطيئة التي هي الظلام الذي يقود للعقاب والموت سببها هو الجهل, وأمّا الحياة فهي للعارفين والمُدركين. وهذا يختلف عن تفسير الديانات الثنويّة وحتى المسيحيّة الثالوثيّة والتي تُرجع الظلام إلى قوّة قائمة بذاتها مثل قوّة النور, وبالتالي فهي تتحدّث عن المسيح مثلاً بأنه مُخلّص للبشر من خطاياهم وهو يكون أبن الإله. بينما تتحدّث المندائيّة بأن المُختارون الصالحون هُم مُعلمون فقط, وتكون مهمتهم بأنهم يُرشدون الأنفس المُتطلّعة إلى كيفية الوصول للنور عبر التعاليم والمعرفة (مصدر3), ولكن متى أخذ الإنسان طريق الحق والمعرفة فلا يعود هنالك أختلاف بينه وبين هؤلاء المختارين, وإنما يُصبحون مُتطابقين بالإيمان والثواب.

* ”الحياة للعارفين, الحياة للعُلماء المُتبحّرين, الحياة للذين يُعلموننا” الكنزا ربا اليمين (الأصلية مع المرفقات)

وهذه البوثة المُهمّة والتي يتم تكرارها بعد الكثير من النصوص لأهميتها الكبيرة, فهي واضحة في معناها وبأن الحياة تَكون لمن يَمتلك العِلم والمَعرفة النقيّة ويُعطيها لمَن يَطلِبها.

* ” سيمات هيي …

أوضحتُ للترميدي وقُلتُ لهُم:

بأن الكَرمَة التي تَحمل براعم وأغصان سوف ترتفع.

والتي لاتَحمل هُنا سوف يُحكَم عليها.

الذي يبحث ويتعلم سيرتفع مُتطلعاً لموطن النور.

والذي لايبحث ولايتعلم سوف يسقُط في بحر النهاية العظيم” دراشا اد يهيا (الأصلية مع المرفقات)

وهذه البوثة من دراشا اد يهيا واضحة أيضاً, وبأن الذي لا يسعى للعلم والمعرفة فأنه يسقط في بحر النهاية, فلن يكون له ضوء ولا نور يُساعدانه على مواجهة التحديات والاختبارات.

5. الحركات الدينيّة الغنوصيّة لها فلسفة وتعاليم, تقوم على تعذيب الجسد وتحريم الشهوات عبر أجراءات وطقوس تفرض عليهم الجوع والرهبنة وعدم الزواج وعدم الإنجاب, بينما تنفر المندائيّة من هذه الأعمال فهي دين يقوم بتطمين حاجات الجسد مع وضع حدود وضوابط له. وتشدد على الزواج والإنجاب وتربط حتى الصعود إلى عالم النور بالذين ينجبون, وهذه الأفكار هي من الأفكار السومريّة والبابليّة القديمة أيضاً, والتي تقول بأن المتوفي الذي يكون لديه الكثير من الأبناء فهو سوف يكون مرتاحاً في الحياة الأخرى.

* “أُنظروا الأشجار القائمة على ضِفّة الفُرات العظيم, وهيَ تَشربُ الماء وتُثمر الثِمار ولا تَموت.

أُنظروا النَهر الجاف الذي جَفّت مياهه, فيَبِست وماتت الأشجار التي على ضِفافه.

هكذا ستَتَيبّس وتَموت نشماثا العُزّاب والعازِبات, الرِجال الذينَ لا يُريدون النِساء, والنِساء اللواتي لا يُردنَ الرِجال.

ثُمّ نُناديكم ونوضّح لكم :

في العالم الذين أنتم موجودون به, أعملوا أعراساً لأبنائكم الذكور ولبناتكُم الإناث أيضاً (زوّجوهم). وآمنوا بربّكُم ملك النور السامي, ولأن هذا العالم يَنتهي ويَزول.” الكنزا ربا اليمين

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

1. الناصورائيّة والمندائيّة ..وليس الغنوصيّة

2. الناصورائيّة التوحيديّة والأديان الثنويّة

3. مقالة: العِلم والمَعرفة أساس المندائيّة

من mandaean