المَدينة الفاضِلة وحَرب البهارة

لقد تَحدّثنا في مقالة سابقة (مصدر1) عن مفاهيم هذا العَصر السَطحيّة وبأنهم يَعملون مثل الآلات التي تؤدي كُل منها عملاً مُحدداً ولهذا فلا يَكتسبون الحِكمة بنواحي الحياة المُختلفة, وهُم يَسيرون وفقَ المنطق المُباشر وَحده. ولهذا فَنَجد بأن الغالبية العُظمى من العالم الغربي هي من هذا النوع وحيثُ يُصبح أي كلام لدى هؤلاء عن القوى الغيبيّة والدين (وحتى وجود الخالق) هو ضَرب من الخيال, ولكن يَحرُص البَعض منهُم على التمسُّك ببعض الطقوس والتعاليم الدينية من باب كونها فولوكلور أي تُراث شعبي وأنه غير مُلزم بالتفاصيل أو حتى بأجراء طقوسه من عَدَمَها, وإنما تنبُع أهميّته من كونه تُراث نتباهى به أمام الآخرين لتبيان عَراقة أصلنا وجمال موروثنا الثقافي!

ومثل جميع الأقوام الأخرى فهُنالك مجموعة من المندائيين المُتأثرين بالثقافة الغربيّة وبتقليد كُل ما يَرد فيها وأهمّها هو تَعاليم المُجتمع المدني وحقوق المساواة بين الأفراد وخصوصياتهم الدقيقة, وبرُغم ذلك فنجد بأنهم حَريصون على الطقوس الدينيّة وعلى البقاء ضمن المجموعة المندائيّة العظيمة بتأريخها, ولهذا فقد دأب هؤلاء على مُحاولة مَسك التُّفاحتين بنفس اليد وهو أمر صَعب ولا يدوم كثيراً!

لقد كانت هُنالك مجموعة كَبيرة من مطالب التغيير الديني التي كان يَدعوا لها هؤلاء المندائيون ذوي التوجّه العِلماني, ومنها :-
1. تسهيل شروط الإنتماء للمندائيّة والتي هي تقتصر على من وُلِدَ لأبوين مندائيين وأصطبغ في اليردنا, وفتح التَبشير لذُرّية المندائيين الذين تَزوجوا من الأديان الأخرى (مصدر2).
2. تَسهيل إجراء الطقوس وجعلها غير مُلزمة بوقت أو بشروط مُعيّنة.
3. إلغاء أي شروط دينيّة تتعلق بتراتُبيّة المُجتمع المندائي والذي كان مثل كَثير من الأديان القديمة يتكوّن من طبقتين, وتُسمّى الأولى أردوان وهي طَبقة رجال الدين والمُلتزمين دينياً (وهُنالك خطأ شائع بأن ترجمة أردوان تعني بأنه الملك الفارسي أرطبانوس الثالث الذي قاد هجرة المندائيين إلى حرّان كويثا) ونياشاغان وهي طبقة العامّة من المندائيين الغير مُلتزمين دينياً, وهذه هي أسماء الطبقات بالفارسيّة المُتوسّطة التي كانت شائعة قديماً ولاحقاً تمّت تسمية الطبقتين بالحلاليّة والسواديّة, وهُنالك قوانين تُنظّم الصعود من طبقة العامّة السواديّة إلى طبقة الحلاليّة (مصدر3)

وخلال السنوات الماضية فقد أصطَدَمَت هذه المجموعة من العلمانيين بقوّة وصلابة الشيوخ المندائيين جميعاً ورُغم محاولاتهم الكثيرة, فلم يستطيعوا أن يَحصلوا على تنازُل ولو بشعرة من أي واحد منهُم, وحيثُ أن زوبعتهم الأخيرة حول التَبشير قد بائت بالفشل فقد عَمدوا إلى مُحاولة بائسة أخرى وهذه المرّة هي الإستعانة بقوانين المُجتمع السويدي على دينهم وأهلهم ولكي يُحققوا مدينتهم الفاضلة التي دعى إليها إفلاطون, وبالمناسبة فأن حتى الأطفال في المدينة الفاضلة تلك يكونون مشاعاً أي ليس لهُم أب وأم وأنما الدولة هي تقوم مقامهم وهو ما تَسير عليه الدول الغربية وأوّلها السويد.
نحن لا نُحاول أن نَرمي التُهم على مؤسسة مُحددة أو أشخاص مُعينين ولكن فالنُفكر بالموضوع منطقياً, وهي أنّ القصّة التي أُخبِرنا بها, بوجود شكوى من مجموعة من المندائيات (المتوجّسات من فحص العُذريّة) وكنتيجة لذلك فقد وَصَلَ إتصال من صُحفيّة سويدية إلى سكرتير أحدى المؤسسات المندائيّة (والتي يغلب الفِكر العلماني عليها) وقد دَعَت هذه الصُحفيّة والتي تَنتمي إلى إحدى القنوات الإعلاميّ البارزة إلى تخفيف هذه الشروط الدينيّة’ وبكونها تُخالف القانون السويدي!

والآن نحن لدينا هذا التساؤل المشروع وحيث أننا نَحترم عقولنا!
أنّ الذي يبحث في المنشورات الخاصّة بهذه المجموعة وكروباتها المُختلفة ومُنذ تأسيسها قبل أكثر من عقدين من الزمان, فسوف يَجد عدد كبير جداً من منشورات أعضائها والتي تَدعوا إلى إلغاء البهارة وإلى التَبشير وإلى تَهميش التعاليم الدينية لحساب القوانين الجديدة في دول المَهجر, وبالتالي فأنّ المُصادفة بكون نفس الجهة هي التي تتعرض إلى التواصل من الجهات الإعلاميّة السويدية هو أمر مشكوك به لكُل شَخص يُفكّر بحياديّة وبمنطق, وأنّ القصّة الأقرب تكون بأن بعض أصدقاء هذه المجموعة من ذوي التوجّه المُتطرف مدنياً أو مِن الذين نَفقوا وبقوا مستترين داخل التجمعات المندائية, وخاصّة ذوي المهارات الصُحفيّة بأنهُم هُم الذين كانوا قد أتصلوا بنفسهم بهذه المؤسسة الإعلاميّة السويديّة أو بالإستعانة ببعض أقربائهم أو أبنائهم ولكي يُحققوا أهدافهم (السامية حسب تفكيرهم) وطبعاً الوصول إلى هذه الحالة تمّ بعد اليأس من الحصول على أي تنازُل بخصوص فتح التبشير لذُرّية النافقين.

أنّ الشابات المندائيّات في بدايات العشرينيات من العُمر وحيثُ أنهُنَّ مُتمسّكات بالدين المندائي وطقوسه, يكون من الصعب عليهنّ أن يذهبن للصحافة ولكي يشتكين على أهلهنّ ودينهنّ ويشوهنَ تعاليمهنّ, وإنما هذه العملية هي من عمليات أنصار المُجتمع الغَربي المدني, أو من النافقين الذين يرغبون بالإنتقاص من المندائيّة التي خَرجوا منها بلا عودة. وحيثُ أنّ هذه المؤسسة قد سارعت بمحاولة تخويف المُجتمع المندائي من العواقب! وباشرت بالطلب من الجهات الدينية المندائيّة أن تقُرّ بالتنازلات حول هذه الطقوس رسمياً, فهذا عُنصر شك آخر يُضاف للقصّة, وعلى هذه المؤسسة العَريقة وصاحبة التأريخ الكبير في مُساعدة المندائيين أن تَنتفض الآن وأن يكون لها نَقد ذاتي ويَفرز عناصر جديدة لقيادتها, وهذه نَصيحة من مُحب.

وخُلاصة الكلام هي أنّ الخِتان وعدم البكارة هي حالة من النقصان في الجَسَد والذي يَتم بسبب وضع خَتم لدين آخر عليه, وكما الخِتان هو خَتم يخُص الديانات الإبراهيميّة فأن طَقس فضّ البكارة يخُص البغاء المُقدّس وعبادة الآلهة عشتار لدى البابليين (مصدر4).
وأمّا مَن كانت لا تُريد أن تقوم بفحص العُذريّة قبل الزواج فتستطيع ذلك ولكن بطقوس تختلف عن طقوس العذراء والبِكر وتتنازل عن طموح أبنائها وأحفادها بالدخول إلى السلك الديني المندائي وتجعله صَعباً عليهم, وهذا متوافق مع القانون الغَربي كُليّاً.
ونَدعوا رجال ديننا الأبطال جميعاً إلى الثبات على عَهدهُم بوجه هذه الزوبعة الفارغة والتي ستفشل مثل سابقاتها, ولو كان القانون السويدي بهذا الشَكل والتخويف الذي يُصورونه لكان قد إستطاع مَنع إخواننا المُسلمين من عمليات خِتان الأطفال وهذه أهم وأكثر خطورة صحياً ونفسياً وتتم على أطفال قُصّر وليس على بالغين!

النفاق السويدي وسلاح الإعلام
هذه واحدة من العديد من الشركات السويديّة (مصدر5) والتي تَعرض على النساء في السويد ثقب المناطق التناسليّة ووضع الحلقات المعدنيّة فيها، وبما يمس إحداث ضرر دائمي بتلك المنطقة، ولكن هذه العملية لاتستنكرها تلك المؤسسات الإعلامية المُنافقة والتي تُسلّطها المُنظمات التبشيريّة علينا؟

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

1. مقالة: المَعرِفَة الناصورائية والتعابير المَجازيّة, سنان سامي الجادر
2. مقالة: التَبشير المندائي تأريخياً وفقهياً, سنان سامي الجادر
3. كتاب ماني والمانويّة ص126 (مع الصور المُرفقة)
4. مقالة: حوار دنانوخت وعشتار الروهة, سنان سامي الجادر
5. https://www.barbarella.se/…/lista-over-olika-pierci…/genital

من mandaean