لا يختلف الباحثون بأن الديانة المندائية هي من الديانات الموحّدة القديمة إن لم تكن أقدمها على الأطلاق. أما الباحث الدكتور خزعل الماجدي فيُبين في كتابه (أصول الناصورائية المندائية في آريدو وسومر) بأن الناصورائيين كانوا هم من أسسوا أقدم مدينة في التأريخ وهي أريدو, ومن ثم يُقدم مُقارنة مُقنعة بين المُعتقدات السومرية والناصورائية مثل تقديسهما لإلهة الماء ولعالم النور (حيث في المندائية تُدرج ضمن الملائكة) وكذلك الشهور المندائية والأبراج الفلكية والله والأنبياء والموت ومابعده. وطبعاً توجد العديد من الأدلّة التي تَدعم هذا الأتجاه, وفيما يلي بعض منها
1- إن اللغة المندائية التي كُتِبت بها الكُتب المُقدسة هي لُغة آرامية شرقية نقية لا تشوبها إضافات يونانية, كما صنفها البروفيسور الألماني بوركيت (مصدر 1) وهذه الآرامية الشرقية هي خاصة لبابل في بلاد وادي الرافدين, وهو تأكيد على أن المندائيين هم أبناء وادي الرافدين وليسوا مُهاجرين. ان الأصل الآرامي العراقي للغة المندائية يؤكد الأصل النهريني للمندائيين، حيث تحتوي المندائية على كم كبير من المفردات الأكدية التي مازالت باللفظ نفسه أو الأقرب له من سائر اللهجات الأخرى.
2- لقد وُجِدَ المندائيون في جنوب العراق والأهواز العربية والتي كانت أمتداد لجنوب العراق حتى حدوث الإحتلال البريطاني والذي حاول جعلها دولة على غرار الكويت, وولى الشيخ خزعل الكعبي أمير عربستان عليها والذي تمكن شاه إيران من خداعه وقتله وإحتلال الأهواز العربية وإعلانها تابعه له عام 1925 (مصدر3&2). إن وجود المندائيين فقط في العراق والأهواز ووجود آثارهم المندائية (مثل الصحون المكتوبة والواح الرصاص) هو أكبر دليل على أنهم أبناء هذه الأرض وليسوا مُهاجرين وليست لهم جُذور في أماكن أخرى. 
3- افترض الباحث الانكليزي فريد أبريم (F. Aprim) المتخصص في دراسة الديانات القديمة وأصولها، أن يكون المندائيون ومنشأهم قد جاء من بابل، معتمداً بذلك الاستنتاج عن وجود الطقوس المشتركة بين الديانتين (مصدر 4).
وبعد السومريين كان هنالك تشابه واضح بين البابليين الذين ورثوا الحضارة منهم مع المندائيين, حيث يلتقون في تحريم حلق اللحى وشعر الرأس، وفي اللباس الديني الأبيض ويسمى في المندائية (الرسته)، حيث كان الكهنة البابليون يرتدونه عندما يؤدون وظائفهم الدينية .

سنان الجادر
مصادر الجزء الأول
1
الصابئة المندائيون, دراور ص43
2
http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=169604&r=0
3
http://akhbaralyom-ye.net/news_details.php…
4
Aprim F., M.j, Amandaean phylaclrcy, Iraq, 1938, P.5.
—————————————————————————
السومريون-البابليون-المندائيون (الجزء الثاني)

إن من يقرأ الكنزا ربا ودراشا اد يهيا جيداً, يعرف بأنه لا تتم الإشارة إلى يحيى بن زكريا على أنه نبي أطلاقاً (الحكيم الأمين (ص176يمين), باهر الصدق (ص147يمين), المعلّمُ المُختار (ص138يمين)) كما وأنه ليس هو من وضع تعاليم الدين المندائي منذ البدء, وإن كانت له بعض الإجتهادات فيه.
حيثُ أنَّ المندائية كانت موجودة في عصره وهو قد أعتنقها لاحقاً (أو وُلِدَ منها), وأن تعاليم دراشا اد يهيا تتحدث عن شخصيات مندائية سبقت يحيى في التعاليم (آدم الرجل الأول, رام الأنسان, شوربي, سام أبن نوح (دراشا اد يهيا ص67)) وكذلك في الكنزا ربا شخصيات أخرى مثل دنانوخت (أدريس) أو تمَّ تعريفها بأسماء الملائكة وشخصياتها المُتغيرة الأدوار أو فقط ب (مانا, آدم, باهر الصدق, ياور) أو لم يُشَر لها بالأسماء الصريحة في كتب الكنزا ربا اليمين واليسار.
وربما هنالك من يسأل سؤالاً منطقياً: وهو لماذا تم التركيز على يحيى بن زكريا أكثر من غيره من المُعلمين عند الإشارة للمندائيين؟ 
ورُبما يكون السبب هو لحماية نفسهم من بطش الأديان الأخرى, والتي كانت ولاتزال ترفض التعددية الدينية, حيثُ أن قصة يحيى بن زكريا مذكورة في كُتبهم. وأن وجود كتاب دراشا اد يهيا ليس هو السبب, حيثُ أنّ التدوين للكتب المندائية قد بدأ بعد الميلاد وأستمر حتى القرن السادس, والسبب هو كون التعاليم المندائية سرّية ولم يكونوا يسمحون بالتدوين خوفاً على أسرارها, حتى بدء التبشير للمسيحية والأديان الأخرى وخوفاً على المندائيين منها. ولاتزال طقوس تكريس رجال الدين المندائيين الجُدد تعتمد على مقدار حفظهم للكتُب والتعاليم المندائية المُقدسة, وإن كانت بشكل أقل بكثير عن السابق.
ربما تكون القصة أن أبن التاسعة والتسعين (زكريا) وأبنة الثامنة والثمانين (أنشبي) قد أنجبا يحيى (وهي مُعجزة), أو رُبما هُم لم يُنجباه (وهذا منطقي طبيعي) حيثُ أنه لم يكُن هنالك شاهدٌ من اليهود على هذه الولادة (دراشا اد يهيا ص101).
وفي حالة أنه ولِد من زكريا وأنشبي فقد أرسله أبوه ليتعلم التعاليم المندائية في المُدن المندائية في وادي الرافدين (مصدر قصة ماني*) حتى أصبح حكيماً وعاد بعد أثنتين وعشرين عاماً, حيثُ البسوه رداء النور الأبيض وكساء السُحب وهميانة الماء المُضيء (البسوه الرسته أي حصل على المرتبة الدينية). 
أو رُبما كان هو كاهناً مندائياً هاجر من بلاد وادي الرافدين إلى أورشليم ليُعلمهم الحكمة, وعندما وصل إلى هناك أحبته أنشبي العاقر زوجة زكريا الكاهن اليهودي كإبن لها وتبنته وحمته من غضب اليهود, الذين يُعادون يحيى لأنه يُعلم بتعاليم مُختلفة عن تعاليمهم (دراشا اد يهيا ص82), وفي ذلك العصر كان العهد بالحماية من قبل وجهاء القوم هو المعمول به, ولا يُخالفونه.
بعد ذلك أستقر يحيى هناك, وبدأ بتعميد بعض اليهود وتحويلهم إلى المندائية (قصة مرياي التي أعتنقت المندائية وتركت اليهودية (دراشا اد يهيا ص108)) 
ثم وتزوّج يحيى من مندائية, ودعا أتباعه إلى الزواج فقط من المندائيين والمندائيات (دراشا اد يهيا ص76)
وبعد أن قويت شوكة اليهود غضبوا على أتباع يحيى المتحولين إلى المندائية, بعد أن فشلوا في ترغيبهُم وترهيبهم بالعودة إلى اليهودية, أضطهدوهم هناك وبدؤوا بقتلهم (حين قتلوا مرياي فأتاها النسر والذي هو علامة الخلاص ليأخذ روحها إلى الدار الموعودة التي بشّر بها يحيى (دراشا اد يهيا ص118)) 
وبعد هذه القصة هرب من هرب منهم وهاجر إلى مدينة حران في تركيا ومن ثُمَّ مُرتفعات ميديا (جبال زاكروس) وبعد ذلك وصلوا إلى مملكة ميسان المندائية جنوب العراق والأهواز العربية حالياً (المصدر ديوان حران كويثا), وفي نفس المصدر يؤكد على أن المندائيين كانوا نوعين: نوع المندائيين الأصليين ونوع من المندائيين المتحولين من اليهودية. 
لقد كانت الديانات القديمة تعتمد التنظيم, فيتم تقسيم أبناء الديانة إلى فئتين: فئة مُتدينة وهم الكُهان وفئة عامة الناس (البوذية تُقسمهم إلى رهبان وعلمانيين, المسيحية والمانوية تُقسمهم إلى المجتبين والسماعين وفي السريانية يُسمون صديقين وشاموئين) وكان المندائيون يُقسَمون إلى طبقتين: طبقة رجال الدين وطبقة الناس العاديين, ولاتزال هذه التقسيمات جارية لغاية الآن فلدينا الحلالية والسوادية, أما في العصر الذي هاجر به المندائيون من أورشليم إلى مملكة ميسان فكانت السطوة هي للإمبراطورية البارثية (248 ق.م- 224م) وكانت اللغة المُستخدمة هي الفارسية الوسيطة (, وفيها تُسمى طبقة رجال الدين المندائيين أردوان (مصدر 2) وتُسمى الطبقة العامة للمندائيين نياشاغان, وأن تسمية أردوان لرجال الدين المندائيين الذين قادوا الهجرة قد أحدثت بعض اللبس مع أسم الملك الفرثي ارطبانوس الثالث والذي كان يُسمى أردوان أيضاً, بحيث يعتقد البعض بأن هنالك ملك إستعماري يدعم أو يقود هجرة أناس من أصول وديانة أخرى على مدى سنين طِوال؟ ولماذا يفعل هذا؟
وقد كان عدد المندائيين المُهاجرين من أورشليم كبيراً يُقدر بالآلاف عند بداية الهجرة (كما تُخبرنا مخطوطة حران كويثا) ولكن قسم منهم بقي في المُدن التي مروا بها, ورُبما يكون برديصان الفيلسوف والمُفكر (والذي يصفونه بالغنطوسي وليس المندائي) والذي عاش في مدينة الرُها السورية (تتبع تركيا الآن) رُبما يكون من نسل المندائيين الذين هاجروا من أورشليم, وذلك لقرب كتاباته من الفكر المندائي. وطبعاً تحولت أعداد كبيرة منهم للديانات التبشيرية لاحقاً والتي لم تكن تمزح مع مُعتنقي الديانات الأخرى.

* قصة ماني بن فاتك: ولد بعد مائتي عام على وفاة يحيى, حيثُ أرسله أبوه إلى المُدن المندائية في قرى ولاية ميسان وعمره أربعة أعوام ليتعلم اللاهوت المندائي, وبعد حصوله على تلك الأسرار الربانية بدأ بنشر دينه الخاص والذي وصل إلى اصقاع الأرض (مصدر 1). وبالعودة إلى كُتبنا الدينية المُقدسة حيثُ تحُث على تعليم الأطفال الصغار الأنقياء, وتكريسهم كرجال دين مُنذ نعومة أظفارهم, وهو الذي حصل في حالة يحيى وفي حالة ماني.
لقراءة الجُزء اللاحق”مملكة ميسان وآثار الحضارة المندائية (الجزء الأول)”
https://mandaean.home.blog/2019/05/13/مملكة-ميسان-وآثار-الحضارة-المندائية-ا/

سنان الجادر
المصادر للجزء الثاني
الكنزار ربا اليمين
دراشا اد يهيا
ديوان حران كويثا
1
http://www.syriacstudies.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D…/…
2
كتاب ماني والمانوية ص 126