المندائيون ومعناها بالعربي العرفانيون وهُم الذين عرفوا الخالق وأحسوا به بالحدس والتلميح, ولكن هذه الموهبة لم تكن لجميع المندائيين وإنما لقلّة موهوبة من مؤمنيهُم وهم الناصورائيون ولهذا كانت السلالات الدينية الناصورائية تتوارث تكريس أبنائهم في السلك الكهنوتي مُنذ آلاف السنين ولغاية مُنتصف القرن العشرين.
لقد أجتهد الناصورائيون الذين وضعوا أسس العقيدة والفلسفة المندائية, بوحي من الخالق لكي يُثبّتوا الطرق الواجب إتباعها للأجيال عبر مجموعة من الطقوس والإرشادات وكانت متغيرة نسبياً بتغير زمانها وظروفها, ولكن الذي حصل بعد هجوم الديانات التبشيرية هو ضياع وتشتت المعرفة الناصورائية مع تهجير وقتل رجال الدين الناصورائيين في مراحل مُتعددة من التأريخ, وهُم الذين كانوا يجتهدون ويُصححون الطقوس والإرشادات مع تَغيُر البيئة والظروف, وبالتالي ففي وقتنا الحالي تَبقّت الطقوس وبعض التوجيهات كما هي ومن دون تغيير رُغم تغير الظروف ورُغم وجود خطر حقيقي يُهدد الوجود المندائي على المدى المنظور “فقد تَركَكُم الحُرَّاس..وتألَّبت عليكم الفِتَنُ من كلِّ الأجناس” الكنزا ربا اليسار ص24. يجب أن ننوه هنا بأن الطقوس والتوجيهات التي كانوا يجتهدون فيها لاتشمل لُب العقيدة المندائية والكتاب الأقدس وتعاليمه وهو الكنزا ربا, وإنما تشمل بعض التعاليم التي وضعها رجال الدين على فترات مُتباعدة والتي كانت لتُناسب ظروفهم ووقتهم ومن ثُم توارثتها الأجيال المندائية الحاليّة كما هي وقدّستها.
إن تدني المعرفة الناصورائية الحالية لرجال الدين المندائيين هي حقيقة لاينكرها أحد, مع فائق التقدير والإحترام لهم جميعاً ولجهودهم, وربما هو أحد الأسباب التي أدت إلى تشتتهم وتفرّق أصواتهم ورُغم أنَّ مُعظم البوث والطقوس تدعوهم للوحدة ولأن يقوموا بها معاً. وهو ما يُحزِن ويشُق وحدة القلّة القليلة المُتبقّية من الأمّة المندائية العريقة.
إنَّ من يقرأ قصّة شِلماي في الكنزار ربا اليمين ص149 سوف يجد كيفَ أنَّ شِلماي عندما أرادَ أنَ يهبه أبوه ملكوت العالم أي أن يُكرّسه كرجل دين, درس دروسه جيداً ومن ثُمَّ أجابَ عن جميع أسئلة أبيه الروحي والتي تتعلق بالعالم الذي عاش فيه, ولكنهُ عجز عن سؤال أخير وهو يتعلق بالمعرفة الناصورائية عن علم الغيب, ولهذا فقد أرجعه أبوه ورفض إعطائه المرتبة الدينية, وهذه هي الحكمة بكون المعرفة الناصورائية هي أهم شيء عند تكريس رجال الدين, وليس أختبار اللُغة المندائية فقط كما هو الحال الآن. 
وبسبب القُدرات الناصورائية المُهمّة فقد كان مُعظم ملوك الخلافة العباسيّة يُقربون منهم الناصورائيون البارعون ويُعطونهم مناصب تتعلق بعلم الفلك والتنجيم, بسبب إعتقادهم بأن المعرفة الروحانية تأتي من معرفة أسرار وحسابات الفلك.
ولكن من هو الذي يمتلك المعرفة الناصورائية وأين نجد الأُثريَّ الفَطِن والباسل “أُثرا مزرزا” والذي يَفتَحُ الدَّربَ في الظلامْ, ويضَعُ فيه الثَّوابِتَ والأعلامْ ويُنير لأخوته بالكشطا المعرفة الروحانية الناصورائية المفقودة والتي تأتي من “اللوفا مع الآباء”؟ 
ورُبما الجواب هو بالعودة إلى السُلالات الدينية الناصورائية الوراثية والتي حافظت على الدين المندائي مُنذ الأَزل, والتي يعرف رجال ديننا الحاليون عوائلهم وأبنائهم ولديهم شجرة بأنسابهم, وأن يختاروا هُم منهم وخاصة من شبابهم الصغار مَن يشعرون بأنه مؤمن وذكي ونقي, ويُلبسوهم ثوب آبائهم وهؤلاء هُم الذين سوف يُساعدون أخوتهم بالكشطا ويُصححون المسار ويُعيدون قوّة الناصورائيّة, الكلماتُ الصَّادقةُ الحَّية. 
نعم لقد كان السلك الكهنوتي المندائي محصوراً بالوراثة مُنذ ألاف السنين كما كان ولازال المندائيون غير تبشيريين, ومَن كانَ يُشكك عليه أَن يعود إلى أنساب الشيوخ وفي أي حُقبة زمنية كانت, ليعرف بأنهم جميعاً أولاد وأحفاد شيوخ, علماً بأنهم كانوا يُكرّسون بعض الشيوخ الجُدد من غير السُلالات الدينية عند الضرورة وفي الأماكن النائية, ولكنهم كانوا لايرفعونهم عن مرتبة الترميدا وهذا مذكور بوضوح في ترسر واليف شيالة. 
سنان الجادر