
الديانات التبشيريّة وإلغاء القوميّة
تمثّل القوميّة الرابط المشترك لمجموعة الناس الذين يعيشون تاريخيّاً في مكان معين ويرتبطون بالأصول واللّغة والثقافة. وقد كانت القوميّة هي الرابط القوي الذي يحافظ على البلدان ويمنع الاحتلال الخارجي.
ولكن منذ نشأتها حاولت الديانات التبشيريّة إلغاء قوّة الرابطة القوميّة للشعوب وتقديم الرابطة الدينيّة لتكون أقوى منها. وقد نجحت في ذلك مما جعلها مناسبة لتوحيد الدول الاستعمارية وتكوين الإمبراطوريات الكبيرة. وذلك لأن الشعوب التي يتم احتلال أرضها سوف تبقى خاضعة للأغراب الذين ينتمون لأعراق أخرى ما دامت ديانتهم نفسها. وقد أستغلّ الرومان ذلك وفرضوا المسيحيّة بالقوّة. ومن ثم أتت الدولة الإسلاميّة وفرضت الدين عبر ضغوط الجزية والضرائب على غير المسلمين. واستمرّت هذه الحالة مع الفرس والعثمانيين الذين كانوا يتناوبون على أحتلال بلاد الرافدين وأذاقوا الدول العربيّة الاحتلال والظلم والمرّ بحجة الشعارات الإسلاميّة.
ولكن وعبر التاريخ فجميع تلك الشعارات التي ترفعها الدول الدينيّة هي كاذبة وفي كل الامتحانات التاريخيّة يثبت بأنها كانت محاولات لتجنيد المؤمنين في سبيل مصلحة سياسيّة لنظام الحكم الذي يقوم باستعباد هؤلاء المخدوعين وخاصّة من القوميات الأخرى لتسهيل السيطرة على بلدانهم (1). وطبعاً يحرص نظام الحكم الديني على إقامة الروابط الوهميّة لإيهامهم بالوحدة. فبعض تلك الديانات تقدّم طقوس خاصّة يبيحون بها حتى المُتع المحرّمة. والبعض الآخر من تلك الديانات في عصرنا الحالي تستقطب الأغنياء والمتنفذين من كل دول العالم فتقدم لهم طقوس شيطانيّة تحاول ختمهم بها ومسكها كورقة عليهم لكي لا يعود لهم مجال للتراجع.
أنّ سلسلة الحروب الحالية قد كشفت بأن الفرس يقدّمون قوميتهم ومصلحة بلادهم على جميع الشعارات المذهبيّة التي يرفعونها. وبأن أي فارسي هو أقرب لهم من أوثق حلفائهم الذين يشاركونهم المذهب في الدول الأخرى. فلم يكترثوا للمصاب الكبير الذي وقع على الفلسطينيين واللبنانيين سوى بالشعارات الفارغة. ولكنهم استغلوهم كورقة في سبيل مصلحتهم القوميّة.
وأمّا مكونات العراق الحالي فغالبيتهم العظمى يعودون للعشائر البابليّة والآشوريّة قبل أن يتم تعريبها بعد الفتح الإسلامي عبر نظام الموالي. والذي تكنّت فيه تلك العشائر بأسماء قادة الجيوش العربيّة الذين فتحوا بلاد الرافدين. وحتى تلك العشائر العربيّة الخليجيّة فيعودون في نَسَبَهم إلى بلاد الرافدين التي كانت المركز لهم. (2)
ولهذا فعلى الشيعة العراقيين جميعاً أن يعرفوا بأن عمقهم وقوّتهم في اتحادهم مع إخوانهم باقي مكونات العراق من السنّة والمسيحيين والصابئة واليزيديين وليس مع الفرس. وعلى السنّة العراقيين أن يعرفوا بأن قوّتهم ورخائهم يأتي من وحدتهم مع إخوانهم الشيعة العراقيين والصابئة والمسيحيين واليزيديين وليس مع الأتراك ولا مع غيرهم. وعلى المسيحيين أن يعرفوا بأن قوتهم هي في وحدتهم مع باقي إخوانهم من المسلمين العراقيين السنة والشيعة ومع الصابئة واليزيديين وليس مع الدول الغربيّة ولديهم تجربة مريرة مع المسيحيّة البريطانية التي استغلتهم في بدايات القرن العشرين ووضعتهم في مواجهة مع الدولة العثمانية ثم تركوهم لمصيرهم وساهموا بتهجيرهم من أرض أجدادهم في شمال العراق. وأمّا الصابئة وحتى اليزيديين فنحن أقليّة مجهريّة لا ندين بالولاء سوى للعراق العظيم وعلى قدر تقدّمه نتقدّم وبدون وحدته نتشرذم.
الترميذا سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ
(1) الاستعمال السياسي للأديان التبشيريّة
(2) البحث الأكاديمي “اللُّغة المندائيّة العربيّة القديمة”. ص637-640