التَبشير المندائي تأريخياً وفقهياً

لقد تَحدثنا عن عَدَم جَواز التَبشير في ديننا (مصدر1) وكذلك فأنّ جميع الشيوخ المندائيين الحاليين هُم ضد التبشير قولاً وفعلاً, ولكن وللأسف فأنّ بعض الباحثين الإنتهازيين يُحاولون جَلب الإنتباه لهُم عن طريق اللّعب بمشاعر المندائيين الشُرفاء المُتمسكين بدينهم, ولكنهم وبسبب هذه الهجرة العشوائية والتَشرذُم المندائي الذي رافقها فقد أخَذَت الغُربة أبنائهم وبناتهم للزواج من خارج المندائيّة, وأصبحوا يَتوقون لأي أمل يُعيد لأبنائهم وأحفادهم من الزواجات المُختَلَطة التسمية المندائيّة ولو شكلياً.

أنّ هؤلاء الباحثين المُدّعين يقولون بكون المندائيّة تَسمح بالزواجات المُختلطة وبالدخول إليها من الأديان الأخرى ولكن وبسبب بعض رجال الدين المُتزمتين في وقتنا الحالي فأن هذا الموضوع لا يتم, وهذا الكلام غير صحيح لاتأريخياً ولافقهياً.

عَدم وجود التبشير تأريخياً

أنَّ هذا الموضوع ليس خاص بالدين المندائي وحده وإنما مُعظم الديانات القديمة كانت غير تبشيريّة مُنذ عَهد عبادة الآلهة المُتعددة في بلاد الرافدين وحيثُ كانت الآلهة خاصّة بسُكّان كُل مَدينة ومَملكة على حِدة, وحتى الديانات القديمة الخاصّة بالدول الأخرى مثل الهندوكيّة (الهند) والشنتيّة (اليابان) والزردشتيّة (إيران والأهواز سابقاً والهند حالياً) والإيزيديّة (العراق), واليهوديّة (أماكن مُتعددة ولأنّهم من البدو الرُّحّل) وأديان أخرى كانت قد إنقرضت.

وهذه الديانات غير التبشيريّة هي أمّا ديانات قوميّة مثل الشنتيّة (فقط للأصول اليابانيّة) والهندوكيّة (شُبه القارّة الهنديّة من غير البوذيين والسيخ) أو ديانات نُخبويّة مثل الناصورائيّة والتي هي أصل الديانة المندائيّة وحيث أنها كانت تُمثّل طَبقة من رجال الدين المتنوّرين بمعرفة الفَيض الإلهي في عَهد الحضارات السومريّة والبابليّة من بَعدها.

أنّ أقدم ذِكر للناصورائيّة كان قد تَمّ في مصدر أسمه رموز فيثاغورس (Pythagorean Symbols) والذي كتبه المؤرّخ الكسندر (Alexander) في القرن الأول الميلادي, وفيه يَذكُر بأنّ المُعلّم الذي تَتَلمذَ على يَديه فيثاغورس في بابل وأدخله في دينه هو الناصورائي وكان ذلك في القرن السادس قبل الميلاد (مصدر2)!

وكذلك فأن هُنالك سابقة أخرى للدخول في المندائيّة من خارجها وهي قد تَمّت في عَهد يَهيا يَهانا مع بداية الميلاد, عندما أدخلَ ميرياي وصَبَغ عيسى المسيح (مصدر3), ولكنه كان يَعمل ذلك وهو من الناصورائيين الذين يمتلكون التواصل مع الفيض الإلهي (الإيمرا وشيما).

ومن ناحية أخرى فلا يوجد أي تَدوين أو أزهار أو دليل على حدوث التبشير في أي عهد سِوى ما تَمّ ذكره في عهد يَهيا يَهانا، ومن يُحاول أن يَستشهد بهذه السابقة وبصباغته لليهود فعليه أن يكون بمنزلته وأن تكون لديه الإيمرا وشيما ليعرف أسبابه التي دعته لذلك.

عدم جواز التبشير فقهياً

وأمّا من ناحية دينيّة فقهيّة فأنّ نصوصنا وتعاليمنا تَمنع التبشير وتمنع الزواج من خارج المندائيّة, وهذه بعض النصوص منها (الأصليات مع الصور المُرفقة)

1 * ”… وفي يوم الأحّد لا يصبغون أبنائهم ولا يَسِمونَ بناتهُم بوسمِ الحيّ العَظيم.

وللرجال الذين يتخّذون زوجات من البوابات الأثنتي عشرة (الديانات الأخرى).

والنساء الترميدات والمندائيّات اللواتي يَذهبنَ للبوابات الأثنتي عشرة (يتزوجن من الأديان الأخرى فيخرُجن من المندائيّة).

ولا يَنفع أن نُعلّمَهُم ولا نُبين لهم ولا نُوضّح لهم:

بأنّ الحياة هي أقدمُ من المَوت وبأن النورَ أقدمُ مِن الظَلام وبأن الطَيبين المَحبوبين أقدمُ من الأشرار وبأنّ الحُلوُ أحسنُ مِن المُرّ وبأنّ النهارات (جمع نهار) أقدمُ من الليالي، وبأنَّ الأحّد أقدمُ من السَبت

وبأنَّ الناصورائيّة أقدمُ من اليهوديّة…” من كنزا ربا الشيخ بَهرام خَفاجي ودُرّاجي اليمين ص270

ونَجد في النَصْ السابق مجموعة مُهمّة من التعاليم وهي

1.1. كانت الصباغات تجري في يوم الأحد ولو كانت في أيام أخرى من الأسبوع, لما حَددت البوثة يوم الأحد فقط.

1.2. تمّ ذِكر الترميدات وهي رُبما دَرَجة دينيّة خاصّة بالنساء على غِرار الترميدي للرجال, ورُبما يَقصد النساء المُتبحّرات في الدين المندائي.

1.3. وكذلك نَجد تأكيد بأن الناصورائيّة أقدم من اليهوديّة وهذه للباحثين الذين يَقولون بالأصل الغربي للمندائيّة وبأنها خَرَجت من فلسطين, وحيثُ أنّ تلك النظريّة تَفترض خروج المندائيين من اليهود ومن المسيحيّة في بدايات الميلاد, بينما الصحيح هو أنَّ المندائيين كانوا قد أصطدموا مع اليهود في بلاد الرافدين بعد السَبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد (مصدر4).

2 * ”من بيت الأبواب الأثني عشر (أبناء الديانات الأخرى) …

يا أيها الرجال الذين ترغبون الزواج لماذا تريدون أن تتزوجوا منهم؟” من كنزا ربا الشيخ بهرام خفاجي ودراجي، اليمين ص7

3 * ”ويُسمّونَ باليهوطايي لأنهُم أخطأوا.

أوضّحُ لكُم أيُّها الترميدي والمُختارون والكاملون والمؤمنون الذين يعيشون في ذلك العَصر، لا تعملون أعمالهُم ولا تأكلون ولا تشربون من طعامهم وشَرابهم ولا تُخالطونهم ولا تأخذون منهم زوجة …

ومن هؤلاء اليهوطايي الذين لا يثبتون على كلامهم, خَرَجت منهُم أممٌ ولُغاتٌ (تعلّموا منهم)” من كنزا ربا الشيخ بَهرام خَفاجي ودُرّاجي اليمين ص34.

وحيثُ أنّ دَعوات التَبشير تَخدُم أعداء المندائيين في وقتنا هذا عبر مُحاولة تَدمير المندائيّة من الداخل, ولهذا فعلى مجلس رجال الدين المندائيين وبأغلبيتهم, أن يَضعوا ضوابط حول أي باحث أو حتى رجل دين يُحاول أن يتلاعب بالثوابت المندائيّة, وأن تكون هُنالك عقوبات تتمثّل بمقاطعته وبمنع الطقوس عنه, وفي المُرفقات يوجد تأكيد من خمسة رجال دين مندائيين بذلك.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر

1. مقالة: التبشير المندائي الممنوع (الجزء الثاني), سنان سامي الجادر

2. مقالة: فيثاغورس ومعلمه الناصورائي الساحر, سنان سامي الجادر

3. مقالة: المسيح الترميدا الناصورائي, سنان سامي الجادر

4. مقالة: قُرب بابل …كانت أورشلام, سنان سامي الجادر

من mandaean