أيُّها المَلِك ..وَقّر تاجَك

عند تكريس رجُل دين مندائي جديد يتم حياكة مجموعة من التيجان لهُ من قبل بنات عذراوات, وهذه التيجان هي عبارة عن حلقة مُجوّفة من الحرير الأبيض أو الكتان وتبقى هذه التيجان مع رَجُل الدين طوال عُمره.

وهذه التيجان هي رَمز للسُلطة العُليا التي كانت قد مُنِحَت له وحيثُ أنّ أساس السلك الكهنوتي المندائي هو النظام المَلَكي القديم والذي هو أساس تنظيم المُجتمعات والدول جميعاً مُنذُ بدايات الحضارة ولغاية القرن العشرين, عندما تَحوّل نظام الحُكُم في بعض الدول إلى النظام الديمقراطي الهَجين بين مجموعة من الأنظمّة, وأتت أنظمة حديثة مثل النظام الجمهوري والأنظمة المَلَكيّة الدستوريّة وغيرها.

ويستخدم رَجُل الدين هذا التاج والذي يُسمّى “التاغا” بالمندائيّة أثناء الطقوس الدينيّة حَصراً, حيثُ يُحمَل في البداية في الساعد الأيمن ثُمّ يُمسَك بين اليد اليُمنى واليُسرى إلى أن يتم تتويجه على الرأس تحت العِمامة (مصدر2&1).
وهُنالك مراسيم دينيّة مُحددة تشمل ترتيل بوث خاصّة وتقبيل للتاج ووضعه بين العينين من قبل رَجُل الدين وتُسمّى توقير التاج.

وحيثُ أنّ التاج هو رَمز الملوكيّة للملوك الدنيويين فكذلك هو رَمز الكَهنوت وهو أهم ما يُميّز رَجُل الدين, ولو عُدنا إلى التَغيير في حياة هذا الإنسان الذي دَفَعه الإيمان إلى أن يَهب حياته وعَمَله لعبادة الخالق عبر العبادة الكاملة وإطاعة التعاليم والقوانين الدينيّة والإلتزام بها, وأنَّ أهم ما يُميّز حياته الجديدة هي خَوفه من أن يَرتكب الخطايا والذنوب والحماقات والسيئات والعثرات, ولهذا فيطلُب رَجُل الدين المُسامحة من منداادهيي في جميع صَلواته خوفاً من أن يكون قد أرتَكَبَ أي من هذه الذنوب عن غير قصد, ولهذا فتكون الحِكمة والتأني في أصدار الأحكام هي أهم ميزة عند إختيار رجُل الدين ولكي لايرتكب الأخطاء والذنوب الكثيرة. وحتى أنّ لبعض هذه الذنوب الغير مقصودة تكون هنالك إحتياجات للتكفير عنها بواسطة طقوس خاصّة تشمل عَدد كبير من الصباغات والتي كانت في السابق تأخذ سنوات لكي تكتمل.

أنّ فكرة وجود الحياة الأخرى لمُستحقيها ممن تُزكيهم أعمالهم الطيّبة وثباتهُم في الإيمان وحسناتهم, تكون هي الدافع لرجُل الدين ولجميع المؤمنين بأن يلتزموا بهذه التعاليم ويبتعدوا عن جميع ما يُمكن أن يُشين سيرتهم ويُسيء إلى فُرصة جعلهم من أتباع النور, ولهذا فلا يرتكب رجال الدين أي معاصي طوعاً وإلا فيكون الموضوع بأنه غير مؤمن بهذه الفلسفة من الأساس.

* ”حديثُ مِنداادهيي الحاكِمُ الذي أتى إلى الدُنيا لكي يُحاسب الكنزبري ..
إحذروا إخواني وإحذروا أحبّائي وأحذروا إخواني من الموت, ففور أن يموت رؤساء المعابد ويفتحوا فَمَهُم ويُغلقوا أعينهُم فسوف تبدأ مُساءلتهُم (مُحاسبتهُم) هُناك” دراشا اد يهيا (البوثة مع المُرفقات)

وكذلك فأنّ التعاليم والقوانين الدينيّة وخاصّة المكتوبة والمُتَبَعة, فلا يستطيع رجُل الدين أن يُغير بها كيفما كانت أهوائه فهذه تُسمّى الحدود والتي يُلعَن كُل مَن يُحاول أن يُغير بها وينقُل أوتادها, وأمّا في حالة الضرورة القصوى فيجتهد رجُل الدين قدر إستطاعته أن يعود لحدوده السابقة بعد زوال المُسبب القاهر الذي دعاه إلى تغييرها, وأن لاتكون كسابقة يسير عليها الذين يأتون بعده فيتحمل حتى خطاياهم.

* ”اختارَ السحرةُ والمشعوذين ورحّلهُم إلى شيول (بوّابة الجحيم)
اختارَ الوشاة (الذين يخونون) وذوي الهَمز واللَّمز (الذين يَطعنون في أعراض الناس وينتقصون منهم بالتلميح) ورحّلهُم إلى شيول
اختارَ هؤلاء الذين غيّروا الحدود ونقلوا علامات الحدود ورحّلهُم إلى شيول
وذهبتُ إلى السجن ولم أجد فيه أي من أتباع الحَقّ, فقلتُ لكبير الأسرى :
الأشرار لن يعبروا بسبب أعمالهم,
وحافظ على النشماثا حتى يجلسَ العَظيمُ للقضاء” الكنزا ربا اليسار للشيخ بهرام خفاجي ودُرّاجي ص96 (البوثة مع المُرفقات)

ويَحرُص رجال الدين القُدامى على التواضع أمام إخوانهم في الكُشطا جميعاً الذين خرجوا من أجسادهم والباقون في أجسادهم (الأحياء والأموات) ولهذا فنجد في أزهارات جميع كُتُبهم الدينيّة صيغة مُعينة تبدأ بها, وتَدُل على توقير جميع رجال الدين الآخرين والتواضع أمامهُم فتقول الصيغة:

* ”أنا المسكينُ الفقير المُضطَهَد والعبدُ الذي كُلّه خطايا وصَغير أخوتي الترميدي والكنزبري وأقبّل التُّراب الذي تحت أرجُلهم ..” (البوث مع المُرفقات)
وذلك لأن اللوفا تجري على خُدّام الكُشطا الأبرار المتواضعين المساكين المُضطهدين.
ولكن لماذا يقبلون بأن يضطهدهُم أحد آخر؟
وذلك لأنهم لايتعدون لايردّون على تعدّي الأخرين ولكي لايهينوا التاغا التي تُتوّجُ رؤوسهم! ففي حال تَعدى رَجُل الدين على شخص من العامّة فسوف يكون أمام أحد خيارين:
أمّا أن يرُدّ عليه ذلك الشخص بالإساءة نفسها وعندها فسوف تُلوَّث التاغا لرجُل الدين.
وأمّا أن يكون الشخص الآخر ذو خُلق عالي فلا يرُد إحتراماً للتاغا التي على رأس رجُل الدين وعندها فسوف يتسامى هذا الشخص فوقه.
ونجد في الأزهارات بأنهم يقولون عن نفسهم العبيد الذي كُلُّهم خطايا, وذلك أنهم يعرفون بقصور الجسد والفكر ويضعون إحتمال للأخطاء الغير مقصودة, ولكنّهم ابداً لايتعمّدونها.
ولاتوجد صيغة تواضع أكبر من أن يقولوا بها أنّهم يُقبّلون التُراب الذي تحت أرجُل إخوانهم في الكُشطا.

ويتم الإهتمام في طقوس ذكر الأجداد المؤمنين وخاصة ممن كانوا في السلك الكهنوتي, في كثير من الصَلوات ويَحرص رجال الدين على إقامة اللوفاني لأرواحهم والترحّم عليهم, ولأن فلسفة اللوفا والإتحاد معهم هي من الطقوس المُهمّة.
ولكن في حالة تعدّي أحد رجال الدين الأحياء وإهانته لأقرانه القُدامى ولكي يُثبت بأنه افضل منهم, فهو سيكون مثل الذي قَطَعَ تلك اللوفا ونَزَع التاغا بأختياره.
“انّ الذي يُقدِمُ على أن يَفقأَ عينيهِ بنفسهِ, لن يجدَ من يكون له شافيا” دراشا اد يهيا ص153

فوقّروا تاغاتكُم يارجال الدين المؤمنين باللوفا والكُشطا, ولاتتعدوا على الناس ولاتردّوا على المُعتدين وَمَن لم يكُن يملك المعرفة فهو أفضل بكثير من الذي يأتي بها من مُخيّلته ليُثبت بأنه عارف, وكونوا مِثالاً يُحتذى به بالأخلاق والتواضُع والطيبة, وأتركوا مَن لايوقّرون تاغاتهم ليظهروا للناس مُختلفين عنكُم.

سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ

المصادر
1. كتاب: مسقثا الصعود والارتقاء, ترجمة وشرح وتعليق الربّي رافد عبد الله نجم السبتي, ص24
2. مكالمة هاتفيّة مع الترميدا سرمد سامي شَرَحَ بها عن التاغا

من mandaean