أيُّها المُختار الصالِح انتَ وأبناءك وسُلالاتك ومُحبيك سوفَ تَصعد لعالم النور.
يرد ذكر المُختارون الصادقون أو الصالحون -بهيري زدقا كثيراً في الكتب المندائيّة, فهؤلاء هُم الذين كتبوا التعاليم الدينيّة التي أوحيت إليهم من الحيّ العظيم عبر العصور, وكان منهم آدم وشيث ونوح وسام ودنانوخت ويهيا يهانا, وكثير غير هؤلاء من الذين لا يذكرون أسمهم لكي يبقى التوحيد للخالق وحده فلا يتم الشرك به مع الذين يوحي لهم بكلماته وأفكاره وكذلك لكي لا يتمّ قتلهم أو أسرهم. ولأنهم بمقام الأنبياء لدى الأديان الأخرى.
ولكن لو نسأل مَن هُم المختارون الصالحون وأين كانوا؟ فهل كانوا أناس عاديين مُنشغلين بلقمة عيشهم أو بأشغالهم وبالدنيا الفانيّة؟ أم أنهم كانوا ضمن مُجتمع رجال الدين الأولين الذين كانوا يَعِظون الناس ويَذهبون ليتعبدوا ليل نهار, وتحددها كتبنا المندائيّة بسبعة ساعات في النهار بالإضافة إلى الصلوات والتسابيح في اللّيل.
وكان هؤلاء الناصورائيون يُكرّسون أبنائهم وأحفادهم الصالحين في السلك الديني, ولأن الكشطا تُعطى لهم من آبائهم الصالحين فهم مُرتبطون باللوفا منذ صِغرهم ولمن لم يقم بنفسه بقطعها إن سار في طريق خاطئ. فنجد بأن جميع النصوص الدينيّة والتراتيل التي كتبوها تتضمن أدعية في نهاياتها بطلب الغفران للأب والأم والزوجة والأبناء والسلالات والتلاميذ والمحبين وهذا أن عوائلهم هي الأقرب لهم.
“الذي بقي نقيّا سالماً فسيكون في قمّة عالم النور..
لأن قوة الآباء (الأسلاف) تحرسه وكلمة آبائه تقيم عنده.
وعندما يصعد للمُطهرات لايُسائل ولايسري عليه حُكم الشبياهي.” دراشا اد ملكي
وحيث أن خلود النشمثة هو في جوهر الدين المندائي, فيكون هؤلاء المُختارون الصالحون الذين تخلّدت نشماثاتهم هُم أقرب للمُنحدرين من نسلهم إن صلحت أعمالهم, وتقول دراور في كتابها الصابئة المندائيون النسخة الإنكليزية:
“الجوهر الثالث للدين المندائي هو الإيمان بخلود الروح, وبعلاقتها الوطيدة بأرواح الأسلاف المباشرين والملائكيين. فتؤكل الوجبة الطقسيّة بالوكالة عن المتوفين, وتقوم أنفس المتوفين بإعطاء القوّة والمساعدة وتعطي الراحة لأنفس الأحياء الذين ذكروهم” (The Mandaeans of Iraq and Iraq, E.S. Drower xxi).
وهذا هو أحد أسباب بقاء السلك الديني وراثي للسلالات الناصورائية منذ القِدم, وذلك للإيمان بانحدارهم من نسل المختارين الصالحين. وأن المندائيين هم امتداد لعبادات بلاد الرافدين الذين كان السلك الديني الكهنوتي لديهم مَلكي وراثي أيضاً كما هو لدى كهنة بابل وباقي المدن الرافدينيّة الأخرى الأقدم منها مثل أور وإريدو, حيث كانت بها عبادات كثيرة تتّفق وتختلف حسب تلك المدارس, وهذا الموضوع ليس ضمن حدود هذه المقالة المُختصرة.
فيكون مُجتمع الكَهَنة القُدامى والسُلالات الكهنوتيّة الناصورائية التي استمرّت منهم لآلاف السنين, هُم الذين خَرَجَ منهم المختارون الصالحون وليس من غيرهم. وأنّ المندائيين الذين يَخرجون من أجسادهم فهؤلاء الآباء الأولين سوف يأخذون بأيديهم ويساعدونهم, وكذلك غفران الخطايا يكون أقرب بمساعدتهم ولأنهم الصديقين أصحاب الكشطا.
“- أيُها الطيّب لقد أخطأتُ وأوقعتُ غَيري في الخَطيئة،
ولكن أغفر لي لأن أَبي كان قد وَزّع الطعام،
وأُمّي أعطت الصَدَقة.
*
أمّا أبوكِ فقد كان يوزّعُ الطعام عن نفسهِ.
وأمّا أمُّكِ فكانت تَتصدّق عن نَسمتها.
ولكن غافر الخطايا والذنوب، يَغفرُ للنشماثا بقوّة الصدّيقين وبكشطا المؤمنين” الكنزا ربا اليسار
أنَ موضوع تبجيل المندائيين لآبائهم الشيوخ الناصورائيين القُدامى, هو معروف لمُعظم رجال الدين الصادقين والمُتبحرين حيث توجد العديد من النصوص التي تَذكُر الآباء وتَغفر لهم الخطايا, وهم هنا ليسوا الآباء البيولوجيين وإنما هُم المُختارون الصالحون الذين كانوا ضمن مجتمع رجال الدين السابقين, ولهذا فيواظب جميع المؤمنين الصادقين الأحياء على طقوس الذكر الطيب للآباء القدامى, كما في البراخة واللوفاني والدخرانا والمسقثا والزدقا بريخا وفي كل برونايا وفي طقوس أخرى. حيث يقولون لهم أنتم أدعو لنا من هناك ونحن ندعو لكم من هنا, وبمعنى كما تذكروننا وتطلبون لنا من الحيّ العظيم فنحن نذكركم ونطلب لكم منه.
وأن هذه الحقيقة عن الدين المندائي هي معروفة للباحثين في المندائيّة, فيصفونها بأنها عبادة الأجداد, وذلك من شدّة توقير المندائيين لأجدادهم, الذين منهم وصلت الكشطا لنا عبر سلسلة طويلة من الأجداد وصولاً لهذا العصر.
“هذه مُطهرات يوم الأحد, ويُسائلُ بها الكنزبري ..
الذين لا يقومون بغُفران الخطايا للآباء.
الذين لايهبون الخُبز للفُقراء والمُحتاجين.
في هذه المُطهرات سوف يُحاسب هؤلاء الكنزبري..” ديوان أباثر
وكذلك فتوجد العديد من النصوص التي تُحذّر من عدم توقير الآباء الأولين, وحتى لمن كان ضمن أعلى الدرجات الدينيّة في ذلك الزمان عندما كانوا يحفظون الكتب الدينيّة والتعاليم جميعها, فهو إن تجاوز على الآباء أو لم يقم بتوقيرهم فسوف يقطعونه.
فمن كان لديه التزام ديني فلا يقطع الذكر الطيب عن الشيوخ الناصورائيين القدامى الذين حفظوا الدين وأوصلوا لنا التعاليم المندائيّة كاملة. ومن كان لديه دافع أخلاقي فهو أيضاً لايتجاوز عليهم, فليس من الأخلاق أن تلوك بسيرة الأقدمين المتوفين بالنميمة. وأمّا من لم يكن له التزام ديني ولاأخلاقي فيتطاول على الآباء القدامى أو ينشر عنهم القصص الكاذبة وخاصّة إن كان رجل دين! فابتعدوا عنه ما استطعتم, فهو مقطوعٌ من اللوفا فارغٌ من الكشطا لاتُقبل طقوسه ولاتُنير عمامته مهما بلغ طولُ لحيته!
“انّ الذي يُقدِمُ على أن يَفقأَ عينيهِ بنفسهِ, لن يجدَ من يكون له شافيا” دراشا اد ملكي
وفي الختام نقول لشيوخنا المؤمنين الحقيقيين حافظي الشرشا الثابتين, الذين لايأتون النميمة ولايكسرون الگشطا مع آبائهم الشيوخ الأولين ولهم التقدير والاحترام, فنقول لهم اثبتوا في مراگنكم فالناس تعرفكم من بياضكم النقي الذي يُميّزكم ويُميّز أكسيتكُم.
سِنان سامْي الشيخ عَبد الشيخ جادِر الشيخ صَحَنْ